مصطفى اللداوي يكتب : خاتمة الإضراب مفاوضاتٌ لجني الثمار وحصاد الصبر
اليوم السادس والثلاثون للإضراب …
ربما بدأت بعض الأصوات الإسرائيلية ترتفع عالياً، وتتحدث بصوتٍ مرتفعٍ ومسؤولٍ، عشية زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فلسطين المحتلة، تنادي بضرورة التفاوض مع الأسرى والمعتقلين لوقف إضرابهم، ودراسة مطالبهم، والاستجابة إلى ما يمكن منها، وهو ما تسرب فعلاً ونقله أكثر من مسؤولٍ فلسطيني وإسرائيلي، من أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو قد أمر رئيس استخباراته العسكرية والمعنيين بمصالح السجون والمعتقلات، بضرورة العمل على إنهاء الإضراب، والمباشرة في دراسة طلبات الأسرى وأوضاعهم، وهذا الأمر كان متوقعاً، ولو أنه تأخر قليلاً فقد كان سيكون لا محالة، وذلك بالاستناد إلى التجارب النضالية السابقة التي خاضها الأسرى والمعتقلون، الذين يقتحمون الموت بقرارهم ولا يتراجعون، وهذا ما يدركه العدو ويعرفه، ولهذا فإنه يخضع في النهاية ويستجيب، رغم مكابرته السابقة وعناده المتكرر.
ورغم أن بعض المصادر الإعلامية قد نفت الخبر وأكدت عدم صحته، إلا أن هذا النفي الإعلامي لا ينفي أصله ولا يقطع بعدم وجوده على الإطلاق، خاصةً في ظل تكراره أكثر من مرةٍ وبلسان أكثر من مسؤولٍ فلسطيني وإسرائيلي، بأن المفاوضات تتم فعلاً عبر قناتين منفصلتين، وأنهما قد قطعتا شوطاً عملياً، كما أن التجارب السابقة تشير إلى أن هذه التسريبات الإعلامية هي جزء من الحقيقة، وقد تكون هي الحقيقة كلها، فسلطات الاحتلال الإسرائيلي ماضية في قبول طلبات الأسرى، وستخضع في الأيام القادمة وستعلن موقفها الرسمي، وستباشر التفاوض مع ممثلي الحركة الأسيرة وقادة الإضراب الوطني الكبير، وهو الخبر الذي سيزفه الأسرى أنفسهم إلى شعبهم وأمتهم، وفيه سيعلنون انتصارهم ونتيجة إضرابهم.
إنها الحقيقة التي سيتم الإعلان عنها رسمياً ولو بعد حينٍ، فقد انطلقت شرارتها الأولى وسنرى وميضها بعد قليل، وسنلمس أثرها بالعين واليد بكل تأكيد، وستتوالى التصريحات والتسريبات التي تؤكدها وتتحدث عنها، فالمفاوضات تشكل المرحلة الأخيرة من مراحل المواجهة بين إدارة السجون والأسرى والمعتقلين، ولكن إدارة السجون تتباطئ وتتأخر حيناً، وتبدي عناداً ورفضاً في حين آخر، علها تتمكن من إنهاء الإضراب دون تقديم تنازلاتٍ أو أثمانٍ من جانبها، ولكن المفاوضات نتيجة حتمية نعلمها، وخطوة معلومةٌ لا بد منها.
أدركت مصلحة السجون ومعها حكومة الاحتلال أن الأمور قد وصلت مع الأسرى والمعتقلين إلى نقطة اللا عودة، وأنهم سيواصلون الإضراب مهما كلفتهم المواجهة من ثمن، وسيصمدون أمام كل عمليات الضغط والتهديد والترهيب والترغيب، وهم يزدادون عدداً ويتنوعون قوىً وفصائل وتنظيماتٍ، وأن محاولات شق صفهم وتفريق جمعهم وتمزيق كلمتهم قد باءت كلها بالفشل، فالأهداف واضحةٌ ومحددة، والقيادة موجودة ومعلومة، والسبيل معروفٌ ومحددٌ، والنتيجة مؤكدة ومضمونةٌ، وقد عم الإضراب كل السجون، فلم تعد تجدِ إجراءات النقل والترحيل لعزل المضربين عن غيرهم، فقد بات الإضراب في كل السجون والمعتقلات، والمضربون يتوزعون عليها جميعاً وينسقون فيما بينهم أينما كانت مواقعهم.
كما تعرف سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن الأسرى والمعتقلين المضربين عن الطعام يزدادون قوةً وتصميماً وإرادة كلما مضى الزمن، وتوالت الأيام، وأنهم بعد تجاوزهم الشهر لا يفكرون أبداً في التراجع أو الانكفاء، ويشعرون كلما مرت الأيام ووهنت أجسادهم وضعفت قواهم، أنهم أقوى من ذي قبل، وأقرب الانتصار من أي وقتٍ مضى، ولأن سلطات الاحتلال تدرك أن ما قد كان ممكناً في الأيام الأولى أصبح عسيراً إن لم يكن مستحيلاً في هذه الأيام، فقد بات لزاماً عليها أن تخضع لشروطهم، وأن تفاوضهم على حقوقهم، وأن تعترف بما سحبت منهم، وتعيد إليهم كل ما كان لهم.
الأسرى والمعتقلون كانوا متأكدين من أن مرحلة المفاوضات قادمة لا محالة، لأنهم يعرفون أن تحديهم مع سلطات السجون هو على الزمن فقط، من يصبر أكثر ومن ينهار قبل الآخر، ولأنهم يعرفون هذه المعادلة، فها هو رهانهم يكسب وتحديهم ينتصر وإرادتهم تتفوق، وبعد أن يأس العدو من ضعفهم واستسلامهم، أرسل إليهم من يفاوضهم ويحاورهم، وإذا كانت مفاوضاته سرية فإنها عما قريب ستكشف وستفضح، وسيعرف الجميع من الذي تراجع وانكفأ، ومن الذي صبر وانتصر، وهم جاهزون تماماً لهذه المرحلة وقد استعدوا لها جيداً، وقد يكون من صالحهم المحافظة على سرية المفاوضات، وعدم الكشف عن تفاصيلها إلا عند تمامها واكتمالها، ولا نعيب عليهم فقد يكون ذلك في صالحهم.
لكن فريقهم المفاوض حاضرٌ وجاهزٌ، ولديه كل المطالب والشروط، ويملك إستراتيجية تفاوض مدروسة بعناية، ويعرف أين وكيف ومتى يتشدد، وأين ومتى يكون مرناً، ومتى يكون جاهزاً لتقديم بعض التنازلات التي تخدم قضيته وتحقق شروطه ومطالبه، علماً أنه يتم اختيار أعضائه بعناية كبيرة وفائقة، ممن لديهم خبرة كافية وسابق تجربه، ولديهم دراية جيدة في فنون التفاوض، وعندهم علم كافي بتلاعب الإدارة ومحاولاتها التفلت من شروط وطلبات المعتقلين، أو التخفيف منها وتقليل عددها، وقد تستمر المفاوضات فترة زمنية طويلة، لكن الأسرى لا يقعون في فخ تعليق الإضراب قبل إنجاز الاتفاق مع الإدارة.
هل سيستقبل الأسرى والمعتقلون في السجون والمعتقلات الإسرائيلية شهر رمضان المبارك بعد أن يطووا صفحة إضرابهم المفتوح عن الطعام، وينهوا احتجاجهم على سياسة الاحتلال، الذي يسجل اليوم في سجل ملحمته المعوية يومه السادس والثلاثين، ويكون هلال شهر رمضان الذي سنترقبه خلال الأيام القليلة القادمة هو هلال انتصارهم وعلامة فوزهم، وبداية إنهاء إضرابهم، وبذلك يبدأون معنا جميعاً صيام شهر رمضان الفضيل، ويحيون معنا لياليه المباركة بالقيام ونهاره بالصيام وقراءة القرآن الكريم، فقد حق لهؤلاء الرجال الأماجد والأبطال الكبار أن يكللوا إضرابهم بالنجاح، وأن ينهوا تضحياتهم بالفلاح، وأن يستريحوا من عناء الإضراب ومعاناة الجوع والحرمان، وأن يكون شهر رمضان عليهم شهر الخير والبركة، وشهر البر والإحسان.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
اقرأ للكاتب :
الفلسطينيون يطعنون أسراهم ويجهضون إضرابهم