عزيز اوبلا يكتب : لن تغيروا نظرتي للوطن ..
لم يكذب رئيس وزراء بريطانيا السابق ” ونستون تشرشل ” حينما قال جملته الشهيرة :《 الوطن شجرة طيية لا تنمو إلا في تربة التضحيات ، و تسقى بالعرق و الدم 》 .
و لعل جملته هاته بالتحديد تحيلنا إلى ما يحدث الآن ببلداننا العربية جراء الصراعات الطائفية و سباق الكراسي و السلط الذي حصد في طريقه ملايين الضحايا و شرد ملايين أخرى ، إذ صاروا بين ليلة و ضحاها بلا أرض بواسطة أولئك الذين أصبحوا بلا ضمير .
و أنت تقرأ هذه الكلمات .. جالسا في زاوية غرفتك أو في حديقة و حتى في مكتبة عمومية .. تذكر أن هناك من يصارع لكي يجد ملجئا يقيه حر الصيف و زمهرير الشتاء .. يقاوم به قساوة الهجرة التي فرضت عليه .. يحميه من وجع الغربة التي نزلت عليه قطعة ثلج باردة لا يعلم لها أولا و لا آخر .
إن الذنب الوحيد لمثل هؤلاء أنهم يؤدون ضريبة عشق الوطن و الدفاع عنه ضد من باعوا لنا الوهم تقسيطا و جملة .. كما يفعل معظمهم اليوم .. ف ” الوطن ” مفردة تتردد في أذنيك باستمرار ، درسونا إياها في المدرسة منذ أول خطوة وطأت قدمنا إياها هذا المبنى .. قالوا أن حبه من الإيمان .. فشكل ” الوطن ” الركن السابع لإيماننا .. تعلمنا الذود عنه بضراوة ، أن نفديه بأرواحنا .. أن نطبق ما تقوله آخر جملة من النشيد الرسمي التونسي 《 نموت نموت و يحيا الوطن ! 》 .
تخيلت وطني شخصا عجوزا يحمل عصا قاسية ، يضرب بها رأس كل من سولت له نفسه المس بنا .. رأيت صورته وسط ذاك العلم المرفرف عاليا .. صنديدا يقاوم الرياح العاتية بشدة .. أشتم رائحته لما أعانق ابن بلدي و نحن ضيوف في بلد آخر .. أسمع صوت وطني حينما تعزف سمفونية نشيدنا الوطني ..
حاولت غير ما مرة أن أفصل بين الحكومة و الوطن .. بين الأشخاص و المرافق .. وجدتني حائرا تتراكم الأفكار لدي و تتراقص لتفصل بين الاثنين .. قادني فضولي للاضطلاع على مقال نشر بجريدة الاندبندت للكاتب البريطاني ” روبرت فيسك ” يفصل فيه انطلاقا من تجربته التي دامت أزيد من 30 سنة بالعديد من البلدان العربية التي اشتغل بها مراسلا للصحيفة المذكورة .. – يفصل – الاختلاف بين الحكومة و الوطن .. و مما ذكره باختصار أن الحكومة تتجسد في صورة أشخاص تكون لهم مهام معينة لمدة محددة ، في حين يعد الوطن مفهوما كونيا .. تمثله المرافق العمومية و الموارد الطبيعية ، ليكون بذلك الأوائل خداما للثاني وليس العكس .
” نوبواكي نوتوهارا ” الكاتب الياباني المشهور يشير في كتابه ” العرب من وجهة نظر يابانية ” الصادر سنة 2003 أن الخطأ الكبير الشائع في معظم المجتمعات العربية هو قيام المواطنين بتخريب ممتلكات الوطن انتقاما من الحكومة ، و أن السبيل الوحيد للخروج من جو السخرية التي تمارسها عليهم هذه الأخيرة يتجلى في السلوكات العدوانية تجاه البنية التحتية للموطن .
رغم ذلك لم تتغير صورتي للوطن .. فهو الذي علمني كيف يكون الانتماء .. و هو الذي أراني كيف يكون للاشتياق و الحنين معنى .. أنظر للأماكن و الشوارع ، الورود ، الأهل .. فيتبين لي وطني .. إنه ذاك الخليط من الأشياء .. من الأحاسيس .. من المشاعر .. الوطن هو الذكريات .. هو الزمكان الشاهد على ولادتي .. بكل بساطة الوطن هو أنا .. و أنا هو الوطن .
بقلم : عزيز اوبلا – المغرب
اقرأ للكاتب :