خواطر عزيز اوبلا … لا عليك يا نعيم
كنا أخوين أكثر منا صديقين ، كانت تجمعني به علاقة أكثر من رائعة نتبادل خلالها أطراف الحديث عن مختلف المواضيع الراهنة و نناقش بأسلوب ساخر دروس السنة الأخيرة من دراستنا الجامعية ، كانت طباعه غاية في الروعة و أخلاقه في منتهى الدماثة .. جمعتني به سنوات تشاركنا فيها كل شيء ، الأسرار قبل الأجهار .. لم أشعر خلالها و لو للحظة أن هناك حاجز معين يبعد مسافتنا ، رغم انتمائه لطبقة شبه ما تكون ارستقراطية تنعم بجل وسائل الرفاهية و الاستقرار المادي ، في حين كنت أنا من أسرة متوسطة تصارع قساوة الظروف كي تؤمن لي مصاريف الدراسة على الأقل ..
كنا نتراسل بشكل شبه يومي ، و غالبا ما كنت أرافقه لمنزله الأشبه بالقصر ، نرتشف فناجين القهوة على صوت ملائكي عذب يرتل القرآن ترتيلا .. يحين وقت الصلاة و يرافقني للمسجد ، يتركني أمام الباب و يعدني بالعودة فور الانتهاء من الوضوء .. نلتقي بعد انتهاء الصلاة و نسير قاصدين بعض المتسولين ، يكرمهم ببعض الدراهم تاركا لي فرصة التأمل في جلبابه الأبيض الذي يرتديه رفقة طربوش أحمر مغربي .. كثيرا ما سألني عن هواياتي ، اهتماماتي .. شاركته بعضا منها و كثيرا ما أهداني كتبا إسلامية لما علم أنني أحب القراءة ..
أوشكت فترة الدراسة على الانتهاء ، و اقترب موعد التخرج .. دنا مني يومها و أخبرني أن أعتني بنفسي لأنه غيابه سيطول ، تساءلت في نفسي كيف لصداقة مماثلة أن تنتهي هكذا !! استدركت قائلا : ستستمر افتراضيا على الأقل .. عاتبته على خجله الزائد عن اللزوم و طلبت منه أن يكون قويا .. لم يخبرني عن وجهته و لم أحس أنني أرغب في سؤاله .. افترقنا و شد كل واحد منا الرحال إلى وجهة معينة ..
أنا موظف الآن ، و كلما تذكرته زاد غيظي عن اللزوم ، لماذا كل هذا النسيان .. كثرت الاستفسارات بدون أي إجابة مقنعة ، استسلمت للالتزامات الحياتية و المنزلية و لعبت لعبة خوض التجارب .. و بدون سابق إنذار وصلتني رسالة خاصة . . رسالة في ظرف مماثل للبطاقة البريدية المرافقة له و التي كتب فيها ما يصف حياته و ظروف اشتغاله و بعده عن عائلته ، لكن جملة محددة استوقفتني و أثارت تعجبي .. لقد كتب بالحرف ” تحية لك من تل أبيب ” .. لم أكد أصدق ، فتحت الرسالة و كلي شوق لمعرفة سر هذا الصديق .. اعترف أنه يهودي الديانة .. طلب مني المعذرة و الصفح مني لأنه لم يخبرني قبلا ، تابع أنه كان يجد صعوبة بالغة في تقمص دور المسلم كي لا يشعرني باختلافه .. كان يدرس كل جملة ، كل كلمة بل كل حرف قبل أن يحدثني .. همست في جوهري : لقد فاجئتني يا ” نوعام ” و هكذا سأظل أناديك حتى و إن سمحت لنفسك بتغييره إلى ” نعيم ” كي لا تثير الشكوك ، احتفظ بديانتك و اعلم أنني أحببتك إنسانا لا ديانة و أن الصداقة لا تعرف انتماءا .. أغلقت الرسالة و أغلقت معها عيناي لعلي أجد للنوم طريقا في ظل الضوضاء التي يخلفها جارنا ” المسلم ” المخمور ..
اقرأ للكاتب :