إبراهيم ابراش يكتب : يدمرون سوريا ويتباكون على شعبها
الضربة التي وجهتها الدول الغربية الثلاث (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) إلى سوريا، وقبلها ضربات مماثلة من الدول نفسها ومن إسرائيل، بالإضافة إلى التدخل الروسي والتركي والإيراني، كل ذلك يُعيد طرح التساؤلات التي بقيت بدون إجابة حول حقيقة ما يجري في سوريا، وهي تساؤلات أثيرت منذ اندلاع العنف والتدخل الخارجي في سوريا عام 2012.
سيكون من نافلة القول إن استعمال التبريرات نفسها، التي تم طرحها في بداية أحداث فوضى الربيع العربي من خلال القول إن الدول الغربية ودول خليجية حليفة لها تتدخل لحماية الشعب السوري، ودعما لثورة سلمية ضد نظام دكتاتوري، مثل هذه المزاعم كشفتها تداعيات فوضى الربيع العربي وصيرورة الأحداث، سواء في ليبيا أو اليمن أو تونس أو مصر، وقبلها بسنوات في العراق، فإن كان صحيحا أن الشعب يريد التغيير، وأن الأنظمة التي كانت في سدة الحكم لم تكن ديمقراطية، وأن بداية الأحداث كانت سلمية، فإن كل ذلك كان تبريرات لشيء كبير وخطير تم إعداده لخلق حالة فوضى وحرب أهلية في المنطقة العربية لخدمة مصالح الغرب الاستعماري وإسرائيل وبعض دول الجوار، وما يؤكد ذلك أن القوى الشعبية السلمية الديمقراطية، التي تحركت في الأيام الأولى، تراجعت سريعا، واستلمت زمام الأمور جماعات مسلحة غير ديمقراطية ولا وطنية ومرتبطة بجهات خارجية، ومَن وصل منها إلى السلطة مارس من الفظائع أكثر مما مارسته الأنظمة السابقة.
ما يجري في سوريا، وإن كان في جزء منه استمرار لفوضى الربيع العربي، إلا أن تداعيات الأمور وتشابك الملفات والجيوبولتيك السوري جعل الأمور أكثر تعقيدا، فعلى الأراضي السورية تتواجد مباشرة جيوش عدة دول (أمريكية وروسية وتركية وإيرانية) ومقاتلو حزب الله، بالإضافة إلى الحضور العسكري الدائم للجيش الإسرائيلي. كما يوجد تدخل وتواجد خفي لدول أخرى، وخصوصا الخليجية، من خلال دعمها المالي والعسكري واللوجستي للجماعات المسلحة التي تُقاتل النظام.
أسئلة كثيرة تفرض نفسها ونحن أمام مواجهات مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها نُذر حرب عالمية ثالثة، حتى وإن أخذت بُعدا إقليميا. هل كل ما يجري هدفه حماية الشعب السوري من نظام غير ديمقراطي؟ وهل الدول الخليجية، التي دعمت ومولت في بداية الأحداث جماعات متطرفة دينيا كـ”داعش” والنصرة وغيرهما، دول ديمقراطية، وتريد دمقرطة المجتمع السوري؟ وهل الوصول إلى الديمقراطية يتطلب تدمير دولة بكاملها وتمزيق نسيج المجتمع؟ وهل النظام السوري وحده النظام غير الديمقراطي في العالم؟ وإن كانت الدول الغربية حريصة بالفعل على حقوق الإنسان وحماية المدنيين في سوريا، فلماذا لا يتبدى هذا الحرص بخصوص الشعب اليمني والروهينغا في بورما والشعب الفلسطيني الخ؟ وكيف نصدق أن هدف التدخل التركي هو حماية الشعب السوري، بينما يقمع الشعب الكردي في تركيا ويقتل الأكراد في سوريا؟..
قد يقول قائل إنك بذلك تدافع عن النظام السوري، وعن استعماله أسلحة كيماوية ضد شعبه! لا ندافع عن أنظمة دكتاتورية، ولكن كما أوضحنا، فإن التدخل الغربي لا يتعلق بالديمقراطية، وإذا ما تم تخييرنا بين نظام عربي غير ديمقراطي وبين احتلال أجنبي وتدمير دولة عربية وتمزيق أراضيها، فإننا مع النظام العربي، لأن الوصول إلى الديمقراطية سيأتي مع مرور الوقت دون تدمير الدولة، ولأن سوريا لم تكن وحدها مفتقرة إلى الديمقراطية في المنطقة.
أما بالنسبة إلى استعمال أسلحة كيماوية، فهذا أمر محل جدل، حيث هناك شكوك حول استعمال النظام لهذه الأسلحة، وعلينا التذكير بما جرى زمن صدام حسين عندما تم اتهامه بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وبناء على هذه التهمة تم تدمير العراق واحتلاله، ثم اعترفت الدول الغربية نفسها لاحقا بأن العراق لم يكن يملك أسلحة الدمار الشامل، وقد رأينا نتائج تدمير العراق وإسقاط نظام صدام حسين، كما رأينا حال ليبيا بعد إسقاط نظام معمر القذافي بتهمة أنه يدعم الإرهاب ويقمع شعبه.
نحن نُدين النظام السوري إن ثبت أنه استعمل الكيماوي ضد شعب مسالم، ولكن دعونا نتساءل: لماذا تمتلك الدول العظمي وغير العظمى كالهند وباكستان وإسرائيل أسلحة كيماوية ونووية وهيدروجينية؟ فهل تصنعها وتكدسها لتوضع في المتاحف أو ديكورات تزين بها قواعدها العسكرية؟.
كل دول العالم تعمل على امتلاك كل أدوات القوة، ومن تستطيع تمتلك أسلحة فتاكة، كيماوية ونووية، لتستعملها عندما يصبح أمنها القومي ووجودها مهددا، ولنتصور أن الولايات المتحدة أو إسرائيل أو الهند الخ أصبحت مهددة في وجودها القومي، فهل ستتورع عن استعمال السلاح النووي والكيماوي للدفاع عن نفسها؟ لقد استعملت واشنطن السلاح النووي الأكثر بشاعة من الأسلحة الكيماوية في هيروشيما وناكازاكي في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية، بالرغم من أن اليابان كانت قد أعلنت استسلامها ولم تعد تشكل تهديدا على وجود الولايات المتحدة أو أي دولة غربية. كما هددت إسرائيل باستعمال السلاح النووي في بداية حرب أكتوبر 1973 عندما انهزم جيشها التقليدي أمام الجيشين المصري والسوري، ولم يمنعها من ذلك إلا التدخل الأمريكي والتحذير السوفييتي.
نفهم أن العدوان الغربي على سوريا لا يخرج عن سياق السياسة الغربية المتواصلة والمعادية للأمة العربية، وهي سياسة لا تحكمها أخلاق ولا قانون دولي، بل مصالحها، وخصوصا النفط والغاز، وضمان أمن إسرائيل لتبقى هي الدولة العظمى إقليميا، ولكن من المعيب مواقف الدول العربية، التي تبارك بدون تحفظ العدوان الغربي على سوريا، فيما هي شبه صامتة على الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني!