نانسى فتوح تكتب : القيل والقال

نعيبُ زماننا والعيبُ فينا… ومَا لـزمانِنَا عيبٌ سِوانا..

كلمات تظهر واقعنا الذي نعيشه بكل ما فيه من تناقضات، فمجتمعنا الشرقي به من  التقاليد والعادات التي لا ننكر أنها تتسم بكثير من المحافظة على الأصول والأعراف والواجبات الاجتماعية، ونحن ندرك جيدا أن لنا قواعد وأسس نعيش بها ومفروضة علينا ولا يمكن أن نخرج عنها بحكم ديننا الحنيف والتربية التي نشأنا عليها .. ولكنني بقدر الإيمان بذلك بقدر رفضي لبعض الصفات التي ليست بجديدة في مجتمعنا والتي لازالت موجودة معنا منذ الأزل.

فأحيانا قد نضطر إلي القيام بأفعال لا نريدها ونتبنى آراء لا نؤمن بها ، ونقول أشياء لسنا مقتنعين بها .. فقط .. ليس إلا خوفاً من كلام الناس ..

وقد نلجأ إلى تلوين الحقائق واختلاق أكاذيب “دفاعية” نُحصن بها أنفسنا من مخالب أقاويل الناس ..

فالبنت إذا تأخرت خارج المنزل  .. تخشى كلام الناس!..

 والمطلقه .. تخشى كلام الناس ..!

والأرمله .. تخشى كلام الناس ..!

العاطل عن العمل .. يخشى كلام الناس ..!

الفقير .. يخشى كلام الناس ..!

العانس .. تخشى كلام الناس..!

فكلام الناس مشكلة تورق الهم والوجدان ..

فإذا كان كلام الناس لا يقدم ولا يؤخر في حياتنا إلا بالسلب فلماذا نعمل له كل هذا الحساب .. ؟ ! ؟

هل بسبب الخوف من الناس وردة فعلهم !

أم هو خوف من الشكل الاجتماعي الذي سنظهر عليه..!!

فعمل حساب للقيل والقال عقدة أتبعتنا كثيرا، لوجوده وتغلغله في أغلب العرب .. وما أدراك من نتائجه ومايتبعه من رغي وهرس ووضع فوق الكلمة عشرة .. ولكن إذا فكرنا علمياً وأدركنا الحقيقة سنجد أن أولى علامات الفشل هو إرضاء الجميع .

فمن منا لا يعرف جحا وبعضاً من طرائفه ونوادره ..!

يقال بأنه في يوم ما :

كان جحا وإبنه يمشيان مع حمارهما فانتقدوهما الناس لإنهم لم يستغلوا الحمار كوسيلة للنقل ، فركب جحا وإبنه على الحمار فانتقدوهما الناس مرة ثانيه .

وأتهموهما بأنهما عديميّ الرحمه ! فكيف يركب إثنان على حمار ضعيف كذاك ..!

فنزل جحا وترك ولده على ظهر الحمار فأنتقدوا الناس الإبن ..!

وقالوا عنه : بإنه ولد عاق ..!

فنزل الإبن وركب جحا فقالوا عن جحا أنه لايرحم وأنه قاسٍ على إبنه ..!

فقام جحا وأبنه وحملوا الحمار وهم يمشون ..!

فضحك الناس عليهما لبلاهتهما ..!

كنت كثيرا أحتفظ بتلك القصة عن جحا وابنه في مخيلتي لأن فيها الكثير من النتائج السلبية عن كلام الناس و ما يقودنا إليه ..

ومن هنا ندرك بأن  إرضاء الناس غايةٌ لاتُدرك ..

فهل يعقل  بـ أن يخسر إنسان حلمه وطموحه ،ويتخلى عن تحقيق أهدافه ورغباته فقط من أجل إرضاء الناس …!!

فكلام الناس لا يُقدم ولا يأخر .. لا يُدخل لا جنه ولا نار ..ولا يُغني ولا يسمن من جوع ..

ولكن للأسف ما نراه الآن بأن معظم الناس أصبح الهم الأوحد لهم هو تتبع عيوب الناس وإنتقادها   !!

وأتسائل من منا لم يواجه تلك الشخصيات في حياته التي تبحث عن أخبارك وتتبعها وتتلذذ بسماعها سواء كانت حزينة أو سعيدة، ليبدأ بعد ذلك الحواديت والنقد والتهكم والحسد .!

 فالإنسان الناقص هو من يتتبع أخبار وعيوب الآخرين ،ويترك نفسه التي يجب أن يُقومها ويعودها على عدم التدخل بشؤون الغير !

فمن راقب الناس مات هما ..أما من يخاف من كلام الناس فهذا بالتأكيد  شخصيه متزعزعه ،لأنه لو كان على أتمِ الثقة من نفسه ويمشي بالطريق الذي يراه صحيحاً وغير مخالف للقيم الإسلام الساميه والتربية السليمة فلن يهمه أي شيء أو يبدي أي اعتبار من كلام الناس ..

فوضع كلام الناس تحت القدمين لنرتقي ذلك أمر جيد ..

 و لكن ليس كل الكلام يوضع تحت القدمين، وهنا يتوجب التحديد ..

فيجب أن نفرق بين النقد الهادف البناء وبين القيل والقال .. فلا ندمج بينهما  ..

 فهل من نقدنا نقدا هادفا واستوفى فيه كل الشروط التي تجعل منه نقد بناء.. يعتبر من كلام الناس ؟

لا أعتقد ذلك .

لأن كلام الناس المقصود به “غير النافع ..الذي لا يفيد على الإطلاق”  ، بينما النقد الهادف يصحح المفاهيم.

فمسألة إرضاء الناس غاية لا تدرك ..لأنك مهما فعلت لإرضاءهم لن يرضوا عنك و لن تنال إعجابهم .. و تظل الثقة و تعزيزها في الذات هي الحل الأمثل لمواجهة مثل تلك الأمور ..

وكما قال وليم شكسبير :حياة يقودها عقلك.. افضل بكثير من حياة يقودها كلام الناس.

اقرأ للكاتبة :

شدة البلاء وقرب الفرج..

شكرا للتعليق على الموضوع