هل تضع أجهزة الروبوت حدا لإزعاج مكالمات خدمة العملاء؟
بعد أن تحسنت قدرات الآلات على التحدث والتفاعل الصوتي بفضل الذكاء الصناعي حتى أصبحت تضاهي قدرات البشر، تتجه الشركات الآن للاستعانة بأجهزة الروبوت للرد على مكالمات العملاء.
لم يدرك صديق روريد مينزيز أنه فقد سترته ومحفظته إلا بعد أن غادر النادي الليلي عشية يوم أحد في مدينة غلاسغو الاسكتلندية. وحاول مينزيز الاتصال بالنادي عبر الهاتف لكنه لم يتمكن من الوصول إلى أحد.
وفي الصباح التالي، أرسل مينزيز رسالة إلى صفحة النادي الليلي على موقع “فيسبوك”، ذكر فيها أن صديقه نسي بعض متعلقاته لديهم، وسأل إن كانوا قد عثروا عليها. لكن هذه المرة تلقى الإجابة على الفور: “سنبحث عن محفظتك”.
وبعد دقائق عديدة، أرسل مينزيز رسالة أخرى ليتابع الأمر، وهذه المرة دُهش عندما جاءه الرد لأنه كان يتحدث مع جهاز روبوت. ورغم أن صديقه قد عثر على متعلقاته في مكان آخر، فإن مينزيز لا يزال يتلقى رسائل من جهاز الروبوت حتى الآن.
يقول مينزيز، الذي يعيش في منطقة بعيدة عن النادي الليلي: “يرسل لي جهاز الروبوت رسائل مرة أسبوعيا لإعطائي معلومات عن نادي ليلي لن أزوره مرة أخرى. لكنني أجدها مسلية”.
وبينما كان مينزيز منبهرا في البداية من سرعة الرد، والفهم الواضح لاستفساره، فقد خاب ظنه عندما وجد أن المحادثة التي دارت بينهما لم تسفر عن أي نتيجة تذكر، لأن هذه المحادثات لا يتابعها أحد من البشر قط.
ويظهر هذا النوع من روبوت الدردشة التفاعلية الآن في كل مكان، وتسمح مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” لشركات بأن تطور برامج دردشة آلية على منصاتها، لتصبح واجهة آلية لخدمة العملاء. وهذا يعني أن فرص مصادفة الذكاء الصناعي في حياتنا اليومية تزداد يوما بعد يوم.
وتشير التقديرات إلى أن ما يزيد على اثنين ونصف مليار مستخدم للهواتف المحمولة لديهم تطبيق واحد على الأقل للرسائل الفورية، وهذا العدد من المتوقع أن يزيد ليصل إلى 3.6 مليار مستخدم.
ويقول جاك كنت، محلل بشركة “أي إتش إس تيكنولوجي”: “زاد انتشار تطبيقات الرسائل الفورية، مثل “فيسبوك ماسنجر”، و”واتساب” و”ويتشات” في الصين في الوقت الراهن، وهذا يعني أن الناس اعتادوا على هذا النوع من المحادثات. لذا، ليس من الغريب أن يمتد إلى قطاع الشركات. فهذا هو نوع التواصل الذي يتوقعه الناس الآن”.
تقليص التكاليف
تسعى الشركات منذ عقود لتحسين وتحديث خدمة العملاء وتقليص نفقاتها. وظهرت مراكز الاتصال الكبيرة للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي، وسرعان ما استعانت بالطرق الآلية، بفضل انتشار الهواتف ذات الأزرار التي تصدر نغمات، والأنظمة الصوتية التفاعلية، التي تستجيب للمتصل برسائل صوتية مسجلة.
وفي تسعينيات القرن الماضي، بدأت الشركات في البحث عن طرق جديدة لتقليص نفقات خدمة العملاء، واختارت أن تتعاقد مع شركات في بلدان أخرى، تقل فيها الرواتب، ومن ثم التكاليف، لتنفيذ خدمات مراكز الاتصال.
وقد أثار ذلك سخط الكثير من العملاء الذين شعروا باستياء من التعامل مع أشخاص لم يعملوا قط في الشركة التي أرادوا التحدث إليها، ولم يفهموا الكثير من المشكلات التي يواجهها العملاء، وفي أغلب الأحيان لم يتحدثوا اللغة التي يتحدث بها المتصل.
وفي حين سعت بعض الشركات إلى إعادة خدمات مراكز الاتصال إلى مقرها الرئيسي، لتصبح خدمة العملاء جزءا لا يتجزأ من منتج الشركة، فإن البعض الآخر من الشركات اتجه لطرق أخرى لتوفير المال، مثل الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات، ومن ثم أجهزة الروبوت التفاعلية الجديدة.
وتسمح هذه الوسائل التكنولوجية الجديدة للشركات بالتفاعل مع العملاء على الفور، إلا أنها قد تُغضب العميل أحيانا وقد تكون عديمة النفع أحيانا أخرى.
التعلم مثل الآلة
ليس من السهل تصنيع روبوت يعمل بكفاءة. يقول بول غيبينز، أحد مؤسسي شركة تويلا الناشئة لتطوير الروبوت التفاعلي، إن صياغة محادثة واضحة المعنى في السياق المحدد تعد من أصعب التحديات التي تواجههم.
ويتابع: “أنت تريد أن تحاكي المحادثة التي تدور بين البشر وبعضهم قدر الإمكان، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن ننكر أن العملاء لديهم توقعات محددة”.
ولتحقيق هذه الدرجة من الدقة، يستعين المهندسون في شركة تويلا بخوارزميات قادرة على التعلم من التكرار والتجارب لتحليل المحادثات بين العملاء والعاملين بخدمة العملاء من البشر، عبر أنظمة الدردشة المباشرة.
وقد تُنتقى الاستفسارات والإجابات المتبادلة الأكثر تكرارا، ثم تُدخل في نظام آلي مبني على قواعد محددة تجعل الروبوت يجيب على أسئلة العميل إجابات في محلها، بحيث لا تختلط عليه الأسئلة، ولا يسيء فهمها.
وهذا يعني أن الروبوت مقيد داخل قالب محدد إلى حد ما. لكن نظريا، هذا سيساعده في إعطاء إجابات أكثر دقة وكفاءة.
ويقول غيبينز إنه من الممكن بالطبع تدريب روبوت الدردشة على الإجابة على أي استفسار تقريبا، لكن ذلك سيؤدي إلى نتائج غير متوقعة. فإذا استجاب الروبوت، على سبيل المثال، لكلمات رئيسية فقط، قد يُسيء فهم جملة بأكملها.
وقد وقع الروبوت التفاعلي الذي تستخدمه شركة “أسوس” للملابس في هذا المأزق مؤخرا، عندما رد على استفسارات مرتادي صفحة الشركة على الفيسبوك الذين لم تصلهم الطلبات، بتعليمات معقدة عن مواعيد استلامها، وتركهم في حيرة من أمرهم.
وفي بعض الأحيان، من الصعب توجيه الشركات للاستفادة القصوى من المحادثات التي تجري بين الروبوت والعملاء، فمن الضروري أن تتابع الشركات هذه المحادثات، إذ يرى مينزيز أن الكثير من الاستفسارات لا يمكن أن يتعامل معها جهاز الروبوت من تلقاء نفسه.
ولهذا، قوبل انتشار أجهزة روبوت الدردشة بالكثير من الانتقادات. وهناك قصص لا تُحصى عن إجابات أجهزة الروبوت التي لا تمت بصلة للأسئلة، وحتى بعض الحوارات التي استخدم فيها الروبوت مصطلحات غير لائقة تماما.
وفي العام الماضي، سبب روبوت الدردشة “تاي” الذي أطلقته شركة مايكروسوفت مشاكل للشركة، عندما نشر تعليقات عنصرية على موقع تويتر.
إلا أن هناك بعض المزايا التي ترجح كفة أجهزة روبوت الدردشة على خدمة العملاء المعتادة التي يقدمها البشر في أغلب الشركات. إذ تتيح أجهزة الروبوت الاستجابة الفورية على الأسئلة على سبيل المثال، وتُجنب العميل عناء البحث في قائمة طويلة من أرقام الهاتف. وبالطبع، يجيب الروبوت عن بعض الأسئلة البسيطة بسرعة مثل “كم تكلفة هذه الخدمة؟”
مشاكل أجهزة الروبوت الحديثة
وقد أثبتت أجهزة روبوت الدردشة جدارتها كوسيلة للحصول على المعلومات الأكثر طلبا من الجهات المعنية. ونجح أحد أجهزة روبوتات الدردشة، الذي يحمل قاعدة بيانات عن الاستفسارات القانونية، مؤخرا في إلغاء 160 ألف مخالفة انتظار في لندن ونيويورك بعد أن استعان به قائدو المركبات لمعرفة ما إذا كانوا قد خالفوا القوانين المحلية بالفعل بالانتظار في مكان ما أم لا؟
ورغم ذلك، فإن أجهزة الروبوت قد تتعثر إذا طُلب منها الدخول في حوار أكثر تعقيدا، وعند هذه المرحلة يكون تدخل مساعدين من البشر ضروريا.
وقد اختبر صحفيون على سبيل المثال روبوت الدردشة الذي أطلقته الخطوط الجوية النيوزيلندية حديثا، واكتشفوا أنه أجاد التعامل مع بعض الاستفسارات، مثل كيفية تحسين المزايا التي توفرها لهم الخطوط الجوية. لكن عندما طلبوا مساعدته في العثور على حقيبة السفر المفقودة، لم يتمكن من الإجابة، والتبس عليه الأمر.
وهنا تكمن خطورة روبوت الدردشة، فهو يجعلك تثق في البداية في أنه قادر على تلبية أي طلب، في حين أن قدراته في الحقيقة محدودة.
ويرى مينزيز والكثيرون غيره، الذين تعاملوا مع هذه الأنواع من أجهزة الروبوت، أنها تثير اللبس والغموض، ففي البداية سيختلط عليك الأمر ولن تعرف إن كنت تتحدث إلى بشر أم آلة، ولهذا يتساءل البعض إن كان من الأفضل الإفصاح عن أن المتحدث روبوت وليس بشرا.
يقول ليوك ستارك، باحث في علم الاجتماع بكلية دارتماوث: “أعتقد أن الإفصاح عن حقيقة الروبوت سيكون مفيدا وكاشفا لأي غموض، إلا إنني أزعم أن الكثير من الناس سيطالبون عندئذ بالتحدث إلى بشر بدلا من الروبوت”.
وتبذل الشركات جهودا مكثفة ليصبح تمييز الربوت عن البشر أكثر صعوبة في المستقبل. فحتى هذه اللحظة، لا يستطيع الروبوت فهم الأساليب اللغوية المعقدة مثل التشبيه، والتهكم، ولا يمكنه التعاطف مع المتحدث على الإطلاق.
إلا أن الشركات التي تعمل في مجال أجهزة روبوت الدردشة تستعين الآن بمحررين ومؤلفين لصياغة محادثات تلك الأجهزة، وإضفاء السمات الشخصية عليها حتى تجعل المحادثة خلاقة ونابضة بالحيوية.
ويقدم تطبيق “بونشو”، الروبوت التفاعلي الفكاهي، على سبيل المثال، معلومات عن الطقس أولا بأول. ويعد الهدف من الخدمات من هذا النوع هو عرض المعلومات بطريقة مشوقة، وسهلة الفهم، ومسلية، ومن الناحية النظرية، سيزيد تأثيرها على المستخدم.
وعرضت شركة أمازون، التي طورت المساعد الشخصي الذكي أليكسا الذي يمكن التحكم فيه عبر الصوت، جائزة قدرها اثنين ونصف مليون دولار للفريق الذي يطور روبوت دردشة يمكنه “التحدث دون توقف، وبأسلوب مشوق مع البشر في مواضيع عامة، لمدة 20 دقيقة”.
وأعلنت إدارة أبحاث تابعة لموقع فيسبوك مؤخرا نتائج تجربة لتعليم الروبوت طرق التفاوض والمساومة، وأظهرت النتائج أن الفريق المطور للروبوت كان عليه الاختيار ما بين محاكاة لغة البشر، أو جعل الروبوت يتحلى بالجرأة والمهارة في التفاوض على حساب عدم وضوح اللغة.
وقد تسفر هذه المحاولات عن تطوير أجهزة روبوت أكثر فطنة في عقد صفقات مع البشر، وفي الوقت نفسه تحاول قدر الإمكان أن تلبي توقعاتنا اللغوية.
إلا أن تحسين قدرات روبوت الدردشة في التحدث مع البشر يثير تساؤلات أخرى، فماذا يحدث لو تحسنت قدراته لتفوق قدرات البشر؟
وقد عبرت ليسل ييرسلي، رائدة أعمال عملت في مجال أجهزة روبوت الدردشة، مؤخرا عن مخاوفها من أن تسيطر البرامج الآلية على البشر الذين يدمنون استخدامها.
وترى أن ارتباط البشر بالآلة أصبح أمرا معتادا بشكل لافت، إذ يبوح الكثير من البشر بأدق أسرارهم للروبوت. فإن الروبوت في نهاية الأمر هو شيء، وليس شخصا، يمكن التحدث إليه.
وكتبت ييرسلي: “ستزداد قوة الأنظمة المصممة لإقامة علاقات مع البشر وتصبح أكثر نفوذا. وسيؤثر الذكاء الصناعي على الطريقة التي يفكر بها البشر وعلى طريقة تعاملهم مع الآخرين”.
ربما تكون برامج الذكاء الصناعي بارعة ومفيدة لأغراض عديدة، إلا أن البعض سيظل يضع نصب عينيه إضفاء اللمسات الإنسانية على روبوت الدردشة، أو مواقع الإنترنت، أو برامج الاستجابة الصوتية التفاعلية لتحاكي القدرات الذهنية والعاطفية للبشر، لكن هذا المطمح تحديدا لم تتمكن جميع هذه الأجهزة التكنولوجية بلوغه بعد.
اقرأ ايضاً
تحت شعار”فيسبوك يحجب القدس″.. حملة فلسطينية ضد محاربة فيسبوك للرواية الفلسطينية