وجيه ابو ظريفة يكتب : معركة القدس والمفاوضات فى الميدان
منذ اللحظات الاولى التى قررت فيها حكومة نتياهو الفاشية وضع منظومة للتحكم الأمنى على أبواب المسجد الاقصى كان واضحا ان هذه الاجراءات ليست مجرد اجراءات أمنية او تنظيمية بل كانت اجراءات سياسية ذات طابع سيادي تهدف الى فرض السيادة المطلقة على المسجد الاقصى تمهيدا لتقسيمه زمانيا ومكانيا بين المسلمين والمستوطنين اليهود .
ادرك الجميع مخاطر هذه الأجرآت ولكن المقدسيون سبقوا الجميع فى التحرك والاحتجاج رفضا لها وكان قرار رفض الدخول للمسجد الاقصى وإقامة الصلاة على ابوابه وفى الطرقات قرارا ذكيا وجريئا فتحولت الصلوات الى مظاهرات واعتصامات ضخمة اكدت ان الشعب الفلسطيني لن يقبل الا بازالة كل ما تم وضعه من اجهزة ومعدات على أبواب الاقصى .
لقد شكلك معركة القدس نموذجا للتلاحم ألشعبى فجمعت الفلسطينين فى كل مكان تحت شعار واحد هو الانتصار للقدس والمسجد الاقصى ورفعت مستوى الفعل ألشعبى الموحد فى القدس والجليل والمثلث والنقب وغزة والضفة الفلسطينية والشتات ووحدت الخطاب السياسي بين كل الفرقاء فتلاحمت قرارات القيادة الفلسطينية مع توجهات الأحزاب والقوى السياسية المختلفة وأصبح خصوم الامس يرفعون نفس الشعارات ويقومون بنفس المظاهرات وتحولت قلوب الفلسطينيين نحو حسم المعركة والانتصار فيها مهما كانت التكاليف .
شكلت هذه المعركة نموذجا لحسم الصراع على الارض وان المفاوضات تبدا فى الميدان وان القدرات التفاوضية هي مقدرة الأطراف على الاستفادة من قدراتها وتحييد قدرات اعدائها تمهيدا لإجبارهم على التراجع وان كل الجلسات حول طاولة المفاوضات ما هي الا وسيلة لصياغة ما تم حسمه فى الميدان الذى بدونه لن يكون للمفاوضات أية نتائج منصفة .
القدس هي واحدة من قضايا الحل الدائم التى اجلها اتفاق اوسلو الى مفاوضات لاحقة مع الحدود والمستوطنات والمياه واللاجئين وكل هذه القضايا فشلت المفاوضات فى حلها لان الغلبة فيها والقرار حولها كان دائما بيد الإسرائيليين وحدهم وهم المتحكمين فيها ولم تخرج المفاوضات الا بمزيد من البيانات الفاشلة والوعد بمفاوضات جديدة فاشلة لان المعركة حول هذة القضايا هو معركة فى الميدان تحسمها قدرات الأطراف المتصارعة على صناعة وقائع جديدة على الارض وكانت اسرائيل على مدى السنوات الماضية هي من يغير الواقع لتحسم نتيجة المفاوضات مسبقا .
جائت معركة الاقصى والقدس لتثبت من جديد ان المفاوضات الحقيقة تحسم على الارض وان قدرات الفلسطينيين اعلى مما يعتقدون او تعتقد قيادتهم وان شعبنا قادر على ادارة المعارك الوطنية بحنكة وذكاء اذا كان موحدا واذا شعر ان المعركة هي معركة الجميع وان قدراتنا السلمية والشعبية تستطيع تحييد قدرات العدو وتصيبه بالعجز وتضطره للتراجع والانهزام وان ما نحتاجه هو مزيد من الثقة بالشعب وقدراته وترسيخ مفهوم ان الشعب يستطيع وقادر على الانتصار وان قيادة الشعب وأحزابه تستطيع ان تلتحق بالمعركة التى يتوجب عليها هي ان تبدأها وان تديرها ولكن فى كل الاحوال يمكن ان يكون تلاحما وتوافقا بين الجميع على الوحدة فى مواجهة الاخطار وان الوحدة هى الطريق الاسهل لعلاقة متناسقة مع الشعب القادر على التغيير.
شكلت معركة الاقصى نموذجا يحتذى به على القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية ان تستخلص العبر والدروس منها لتعرف ان المفاوضات مع الاحتلال حول قضايا الحل الدائم قد بدأت بالميدان فإذا أردنا فعلا ان تلتزم اسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني فعلينا ان نحمي حقوقنا على الارض وبانفسنا ولا ننتظر حسن نوايا الاحتلال وحلفاءه .
على القيادة الفلسطينية ان تدرك ان حاميها هو شعبها وليس الاتفاقات الموقعة وان مرجعيتها هى المشروع الوطنى ومدى الالتزام به وليست الالتزام بمتطلبات العلاقات الدولية وان كل المنظومة الدولية تتغير بحراك الشعب الفلسطيني وضغطه على الاحتلال الذى لن يتراجع عن شيء الا اذا دفع ثمن غاليا لسياساته العنصرية .
تحية للمقدسيين خاصة والفلسطينيين عامة وكل من ناصرهم من محبى العدالة فى العالم على هذا الانتصار فى معركة حماية القدس على طريق تحريرها كعاصمة ابدية للشعب الفلسطيني ودولته المستقلة .
دكتور: وجيه ابو ظريفة
المحلل السياساتي لشبكة السياسات الفلسطينية
اقرأ للكاتب :
قراءة فى خطاب الرئيس محمود عباس