أوروبا تسعى لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني خشية أن ينسفه ترامب
تسعى الدول الأوروبية جاهدة لصياغة مجموعة إجراءات تأمل أن تساهم في استمرار الاتفاق النووي الإيراني إذا تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مناشداتها ورفض الشهادة بالتزام إيران بالاتفاق المبرم عام 2015.
وقال مسؤولون إن مجموعة الإجراءات ستشمل بيانا قويا تصدره القوى الأوروبية بالإضافة إلى جهود لحشد تأييد الكونجرس الأمريكي وممارسة مزيد من الضغط على إيران، بحسب “رويترز”.
لكن مسؤولين كبارا في برلين وباريس ولندن يقولون إنه في غياب دعم أمريكي قوي ربما يكون انهيار الاتفاق بين طهران والقوى العالمية الست مسألة وقت مما سيكون له تداعيات خطيرة على أمن الشرق الأوسط وجهود منع الانتشار النووي والعلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة.
وتنظر أوروبا للاتفاق، الذي أبرم قبل عامين ووافقت طهران بموجبه على تجميد برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، على أنه انتصار نادر للدبلوماسية الدولية في الشرق الأوسط.
وفي ظل خطر تحول التوترات بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي إلى حرب شاملة فإن أوروبا تعتبر أي خطوة تتخذها الولايات المتحدة لتقويض الاتفاق النووي الإيراني حماقة.
وتحاول العواصم الأوروبية توصيل هذه الرسالة للبيت الأبيض والكونجرس في واحدة من أقوى الحملات لحشد التأييد في العصر الحديث. وفي الأسابيع القليلة الماضية اجتمع سفراء أوروبيون مع عشرات المشرعين الأمريكيين. وحاولت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إقناع ترامب في اتصال هاتفي يوم الثلاثاء.
وعلى الرغم من ذلك فإن من المتوقع أن يعلن ترامب هذا الأسبوع أن إيران غير ملتزمة بالاتفاق. ومن المنتظر أيضا أن يكشف عن استراتيجية جديدة صارمة للتعامل مع إيران ويشمل ذلك تصنيف الحرس الثوري الإيراني تنظيما إرهابيا وهو ما يمكن أن ينسف الاتفاق.
وقال دبلوماسي فرنسي كبير لرويترز ”إذا كان الشعور هو أن الولايات المتحدة لم تعد تدعم الاتفاق فإن الواقع السياسي هو أن الاتفاق سيكون في خطر شديد وسيكون تطبيقه صعبا جدا“.
وسيقضي قرار ترامب الشهادة بعدم التزام إيران على الاتفاق تلقائيا. ومن المتوقع أن يلقي ترامب بالكرة في ملعب الكونجرس الذي سيكون أمامه مهلة 60 يوما لاتخاذ قراره بشأن ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
*رد ثلاثي الأبعاد
وقال مسؤولون أوروبيون إنهم يعدون استراتيجية ثلاثية الأبعاد تحسبا لحدوث ذلك.
في البداية ستصدر برلين ولندن وباريس بيانات تعيد فيها تأكيد التزامها بالاتفاق.
أما الخطوة الثانية فستكون مضاعفة الجهود لإقناع الكونجرس، الذي يبدو حريصا على الحفاظ على الاتفاق، لرفض أي خطوات متهورة.
وبالنسبة للخطوة الثالثة فستطرح الدول مجموعة إجراءات للضغط على إيران بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية وسياساتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وهي مجالات تقع خارج نطاق الاتفاق الذي لا يشمل إلا البرنامج النووي.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أشار إلى ذلك في الأمم المتحدة الشهر الماضي. وقال دبلوماسيون إن مجموعة الإجراءات لا تزال قيد الإعداد ولم يتم إطلاع بروكسل عليها بعد.
ويأمل الأوروبيون من خلال الخطوة الثالثة تقريب وجهات النظر مع واشنطن مع الاحتفاظ بالاتفاق الإيراني. لكن دبلوماسيا ألمانيا قال إن زيادة الضغط على طهران يشبه السير على حبل مشدود فالضغط الشديد سيؤدي لانهيار الاتفاق بالكامل.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير شارك في المفاوضات مع إيران منذ عام 2003 أي قبل فترة طويلة من انضمام واشنطن للمحادثات في عهد الرئيس باراك أوباما ”كلنا كنا نعلم أن خطة العمل الشاملة المشتركة ليست مثالية لكن التشكيك في مكاسبها في رأيي لن يؤدي إلا لخسارتنا“.
وإذا نفذ ترامب تهديداته فستكون هذه المرة الثانية في أربعة شهور التي تنأى الولايات المتحدة فيها بنفسها عن اتفاق مهم متعدد الأطراف على الرغم من المحاولات المكثفة من شركاء وأعضاء في حكومته لإثنائه عن ذلك.
لكن في أوروبا سيعتبر اتخاذ هذه الخطوة مع إيران أشد ضررا بكثير من قرار ترامب في يونيو حزيران الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ.
وقال إلمار بروك خبير السياسة الخارجية المخضرم بالبرلمان الأوروبي والحليف الحزبي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ”التهديد الذي تمثله إيران فيما يتعلق بالانتشار النووي فوري“.
ويخشى مسؤولون ومحللون أوروبيون من أن يؤدي انهيار الاتفاق الإيراني إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط وصراع بين إيران وإسرائيل بالإضافة إلى تصعيد الحروب بالوكالة في المنطقة بين إيران والسعودية.
كما يخشون أن يقضي ذلك على أي فرص مهما بلغت ضآلتها للتوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية عن طريق التفاوض.
*القضية هي الحرب
وقال فرانسوا هيسبورج رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ”في نهاية المطاف القضية الأساسية هي خطر الحرب“.
كما أن هناك خطرا يتمثل في مزيد من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا خاصة إذا استهدفت واشنطن المؤسسات الأوروبية التي لها أنشطة تجارية في إيران.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي في واشنطن ديفيد أوسوليفان إن في حالة حدوث ذلك فستلجأ بروكسل إلى قانون يرجع إلى حقبة التسعينات من القرن الماضي يحمي الشركات الأوروبية من العقوبات خارج دولها.
ويقول الدبلوماسي الفرنسي الكبير إنه حتى إذا اتخذ الاتحاد هذه الخطوة فإن الشركات الأوروبية ستفكر مرتين في التزاماتها في إيران.
ومن بين الشركات التي أعلنت اتفاقات كبيرة في إيران منذ بدء سريان اتفاق خطة العمل المشتركة الشاملة عملاقة صناعة الطائرات إيرباص ومجموعة توتال الفرنسية للطاقة وسيمنس الألمانية.
وقال الدبلوماسي ”واحدة من صعوبات الاتفاق الكبيرة هي ضمان ثقة الجهات العاملة في مجال الاقتصاد في النظام والثقة في الولايات المتحدة هي الأساس لتحقيق ذلك“.
وإذا ظهرت أي بوادر على انسحاب الشركات الأوروبية فقد يدفع ذلك الإيرانيين إلى إعادة تقييم مزايا الاتفاق النووي.
وقال أوميد نوري بور وهو مشرع إيراني المولد من حزب الخضر الألماني المتوقع أن ينضم للحكومة الائتلافية القادمة التي تقودها ميركل ”الاتفاق مع إيران يشبه نباتا رقيقا“.
وأضاف ”إنه (الاتفاق) دليل على ما يمكن أن تحققه الدبلوماسية لكنه هش… الرئيس الأمريكي لا يؤمن بالدبلوماسية على ما يبدو. يبدو عازما على سحق هذا (الاتفاق)“.