فضيحة تهز برلين بسبب “دعارة لاجئين”
كشف تحقيق تلفزيوني ألماني فضيحة من العيار الثقيل بشأن شبكة دعارة تستقطب اللاجئين، يقودها عناصر أمن مكلفون بحماية تلك المراكز، فيما يرى خبراء أن النقص في الرعاية الاجتماعية يجعل اللاجئين فريسة سهلة للعصابات الإجرامية.
وقال موقع “DW” أن تحقيقا ميدانيا للقناة الثانية الألمانية، كشف عن هذه الفضيحة الثقيلة وهي مرتبطة “باستغلال شركات أمنية لوضع اللاجئين باستقطابهم في شبكات دعارة تشمل حتى القاصرين منهم”.
هذا التقرير أثار غضب الحكومة الألمانية التي أكدت أنها تتعامل مع هذه المعلومات بجدية كاملة. الغضب امتد إلى أوساط المتطوعين الذين يسهرون على مساعدة اللاجئين. التقرير التلفزيوني الصادم سلط الضوء على الأوضاع المزرية التي يعيشها اللاجئون وكيف يتم استغلالهم من قبل عصابات الدعارة والإجرام.
ونقل موقع “DW” عن خبير شؤون الهجرة والناشط الحقوقي نبيل يعقوب، المتحدث باسم “مبادرة تمثيل مصالح المهاجرين في سكسونيا”، قوله، إن النقص في الرعاية الاجتماعية والفقر يعتبران من العوامل الرئيسية التي تجعل اللاجئين، خصوصا القاصرين منهم يسقطون في مخالب الدعارة.
التقرير بُث في إطار البرنامج الاستقصائي “فرونتال 21” للقناة الألمانية الثانية والذي عرض تفاصيل مثيرة عن عالم مظلم في مراكز إيواء اللاجئين يقف وراءه موظفو شركات أمنية مكلفة بحماية تلك المراكز مقابل مبالغ مالية. التقرير عرض شهادات لاجئين وعناصر أمنية في مركز فيلمرسدورف جنوب غرب برلين، كلها أكدت أنشطة الدعارة تلك. وقال عنصر أمن حُجبت ملامحه “يتصلون بنا ويقولون: أنا بحاجة لامرأة، أو بشكل عام إلى رجل، وخصوصا من صغار السن. كلما كانوا أصغر سنا ارتفعت التسعيرة”. وأكد نفس الشخص أن عناصر الأمن التابعين للشركة المتعاقدة مع مدينة برلين يتقاضون علاوات للعب دور الوسيط بين اللاجئين والزبائن.
وأكد عنصر أمن آخر أن “الكثيرين (من اللاجئين) يمارسون الدعارة لحاجتهم إلى المال. وبينهم قاصرون، بحدود السادسة عشرة ولو أنهم ليسوا كثرا. إنه أمر سيئ، لكن لا خيار آخر أمامهم”. التقرير عرض شهادة أخرى لطالب لجوء اسمه عمر لا يتعدى عمره عشرون عاما، قال: “في أحد الأيام أتى عنصر أمن وسألني: هل تريد كسب المال؟ أجبته بالطبع، فأضاف، يمكنك تقاضي 30 يورو أو ربما 40 لممارسة الجنس مع امرأة”. لكن اتضح أن أغلبية الزبائن رجال وغالبا ما يكونون متقدمين في السن. وتابع “لكن ماذا عساي أن أفعل؟ أنا بحاجة للمال لكن يجب ألا تعلم عائلتي بذلك بأي ثمن”.
وبحسب صحيفة “برلينه تسايتونغ”، فإن شركة GSO لتوفير الأمن والتي تقوم بحراسة مركز فيلمرسدورف ستقوم برفع دعوى قضائية بسبب التقرير على “فاعل مجهول”. كما أن موظفين متخصصين في شؤون اللاجئين في بلدية فيلمرسدورف عبروا عن صدمتهم وغضبهم بسبب التقرير، وقالوا إنهم لم يتعرفوا على موظف الأمن الذي ظهر في التقرير (الذي حُجبت ملامحه) ولا على أشخاص آخرين ظهروا أيضاً في التقرير.
في رد فعله على التقرير، أكد المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل شتيفن زايبرت: “علينا التعامل مع هذه المعلومات بجدية كبيرة لأن استغلال الظروف الصعبة التي يعيشها كثير من اللاجئين أمر غير مقبول”، مؤكدا أن “ممارسة الدعارة على أي شخص أمر مستهجن جدا من الناحية الأخلاقية”. من جهته، قال خبير الهجرة نبيل يعقوب إن “هذه فضيحة مزعجة جدا، لكنها لا تشكل مفاجئة بالنسبة للعارفين بأوضاع اللاجئين، رغم أن وضع هؤلاء في ألمانيا يختلف عن الوضع في بعض البلدان الأخرى مثل اليونان وغيرها التي لا تقدم شيئا يذكر للاجئين سوى بعض الطعام”.
وفي السياق نفسه، أكدت مجموعة من المتطوعين الذين يساعدون اللاجئين في بلدية فيلمرسدورف أن العمل مع شركة الأمن المعنية اكتسب دائما صعوبة كبيرة. وطالبت المجموعة من سلطات ولاية برلين ومن الادعاء الألماني “التعامل مع الفضيحة فورا”، مؤكدين أن الأمر سيكون مأساويا إذا ما “اضطر لاجئون هربوا من الحرب لسلك طريق وحيد هو ممارسة الدعارة أمام غياب أي آفاق أخرى”.
نبيل يعقوب أكد على ضرورة “توفير المزيد من وظائف الرعاية الاجتماعية، فكل لاجئ يجب أن يكون له مُحاور، أي موظف اجتماعي يتوجه له عند حدوث مشكل ما”. واستطرد موضحا في ألمانيا يحصل كل لاجئ على مبلغ بسيط قدره حوالي خمسة يورو في اليوم. و يتم استدعاؤه أكثر من مرة في الشهر من قبل مكتب شؤون الأجانب (…) ولإعطاء تصور للقراء العرب، فإن تذكرة النقل بالترام في رحلة واحدة قد تكلف اثنين إلى ثلاثة يورو. أضف إلى ذلك البؤس الاجتماعي المتمثل في الإغراءات الاستهلاكية، حين تقف أسر اللاجئين أمام واجهات المتاجر الكبرى بجيوب فارغة”.
أما ديانا هينيغيس رئيسة جمعية مساعدة اللاجئين “موابيت هيلفت!” فأوضحت في تقرير القناة الثانية للتلفزيون الألماني (زد.دي.إف) أنه لا توجد أرقام محددة “لعدد المهاجرين الذين يمارسون الدعارة. إننا نتابع حوالى 50 في حديقة تيرغارتن (في برلين) لكن أغلبهم متوارون عن الأنظار أو ينشطون في الأنترنت”. واستطردت موضحة أن “الأسباب التي تدفعهم لممارسة الدعارة متنوعة، منها ضيق المكان، السعي إلى الجنس، الظروف الاجتماعية القاسية، إدمان المخدرات أو الحاجة إلى إرسال المال إلى عائلة في البلد الأم”. وتابعت أن أعمارهم “تراوح بين 12 و40 عاما”.
فيما أكد يعقوب أن “أول هم يواجهه اللاجئ حين قدومه لألمانيا هو إيجاد عمل ليس فقط للحصول على المال، وإنما أيضا للاعتماد على الذات وعدم العيش على حساب أي جهة. وفي ظل البطالة ونقص الرعاية الاجتماعية يمكن لتجار المخدرات وشبكات الدعارة أن تستقطب بسرعة بعض اللاجئين”.