اذهبوا إلى الذئاب “قصة قصيرة”
كانت المرة الأولى التي يسمعون فيها هذه الدعوة.
“ها أنا أرسلكم بين الذئاب”. هل هو جدِّي في ما يقول ؟ قالوا في أنفسهم.
كانوا مستلقين على العشب، يمضغون بقايا آخر قضمة. بالأمس أعياهم الركض هرباً من هجمة مجموعة من الذئاب، نجحت في اصطياد ثلاثة من إخوتهم.
شيء واحد تعلموه في الحياة : “أركضوا بكل قواكم حين تلمحون ذئباً”.
حسناً، هذا ما فعلوه بالأمس. مات من مات، وعاش من عاش. ثم عادوا إلى مراعيهم وكأن شيئاً لم يكن.
يدركون أن هذه سُنَّة حياتهم. تهجم الذئاب، يهربون، تغتال بعضهم، ثم تهدأ الأحوال من جديد.
لا شيء يمكن أن يتغيَّر في هذه المعادلة. هذا جزء من دورة الحياة في مملكتهم.
وهم راضون بما قسم الله لهم.
يذكرون بالطبع رواية تتناقلها الخراف من جيل إلى جيل.
عبر العصور، جرت محاولات عدَّة للمصالحة مع الذئاب. جلس شيخ الخراف مرَّة في هدأة الليل يفكر في قطيعه المتناقص بفعل تكاثر الذئاب. وللمرة الأولى في تاريخ قومه، اتخذ قراراً تاريخياً.
“لماذا لا أرسل إليهم موفداً من قبلي، لدعوتهم إلى إرساء السلام بيننا؟”.
وهذا ما كان.
لكن الموفد لم يعد. وأدرك الخراف سريعاً ما حصل.
ثم موفد آخر، ثم رسالة تتضمن معاهدة للتعاون والتنسيق، ثم هجوم من الذئاب.
بدا بالفعل أن لا شيء ينفع معهم. كانوا يتحدثون بلغة أخرى ومنطق مختلف.
كرَّسهم التاريخ أعداء لبني الخراف، من جيل إلى جيل.
واليوم يقف خروف شاب، عُرف منذ صغره باندفاعه ومرحه وحبه للحياة، لينطق بدعوة عبثية.
منذ آلاف السنين، الأعداء هم الأعداء، والأصدقاء هم الأصدقاء.
بنو الخراف يؤكلون، لأن العدو يدرك أننا ضعفاء أمامه، ولأن أنيابه اعتادت على مذاق لحومنا.
ها أنا أرسلكم منذ اللحظة خرافاً بين الذئاب.
فليأكلوا قدر ما تتسع بطونهم. عندئذٍ ستكون رسالتنا لهم شديدة الوضوح : ” إذا زال الخراف تزولون. من الآن فصاعداً لن نهرب من أمامكم، ولحومنا بمتناولكم في كل حين. ولكنكم في النهاية ستكتبون نهاية قومكم”.
بدا المنطق شديد الإغراء والذكاء للخراف، حتى أنهم توقفوا عن المضغ للحظة.
الشرُّ يفني نفسه!
أي دهاء هذا ! أي إلهام سقط فوق رأس هذا الخروف المندفع!
وسرعان ما اندفع الجميع إلى تحقيق هذه الرؤية.
تهادى القطيع إلى مربض الذئاب، ووقعت مجزرة رهيبة في ذلك النهار.
نجا بضعة خراف، غالبيتهم من الصغار. لم يكن لديهم من اللحم ما يكفي لإغراء الذئاب على التهامهم.
ثم حصل شيء غريب. مات عدد كبير من الذئاب بسبب التخمة، ونجا بضعة منهم غالبيتهم من الصغار أيضاً، الذين اكتفوا سريعاً من الطعام وراحوا يلهون في أمور أخرى.
استرخى صغار الذئاب والخراف فوق العشب يتأملون بما جرى.
فكر بعض صغار الذئاب بأن ما حصل لأهلهم يجب ألا يتكرر. عندما يكبرون سيلتهمون قدراً أقل من لحوم الخرفان. وفكر بعضهم الآخر بأن شجاعة الخراف ستجعل اصطيادهم اكثر صعوبة في المستقبل، وأنهم يستحقون صداقة الذئاب. واحد بينهم درات في ذهنه فكرة التوقف عن أكل الخراف والعيش على قمة جبل.
أما صغار الخرفان، فكانت لديهم تأملاتهم الخاصة. بعضهم شعر بالفخر وبقوة داخلية أعطت معنى جديداً لحياته. فمنذ اليوم ستغير جرأتهم طريقة المواجهة مع الذئاب. بعضهم الآخر قرَّر أن يقترب أكثر من صغار الذئاب، ويفتح صفحة جديدة مع قومهم، تقوم على الأخوَّة والمساواة. والبعض فكر بالهرب حين تحين الفرصة، لأن ما حصل اليوم سيتكرَّر في الغد، عندما تشتد سيقان الذئاب وتتمكن من المطاردة. واحد بينهم دارت في ذهنة فكرة العيش بسلام، وحيداً، على قمة جبل.
لكن الأمر الأكيد الذي قد يدركه الجميع فيما بعد، هو أن عهداً جديداً قد بدأ للتو.
اقرأ للكاتب :