بول أبي درغام يكتب: الأمل “بين الشعور الإيجابي والطاقة النفسية الفاعلة”

الأمل عنصر مرافق لوجود الإنسان على الأرض منذ باكورة ازدواجيته. تطرقت إليه الميثولوجية والأساطير، ناقشه الفلاسفة والمفكرين، شكل محوراً أساسياً في بعض العقائد الدينية، انما يبقى وجود الأمل كشعور داخلي في الإنسان انعكاس لحتمية الخير في نظام الخلق، ونتيجة مباشرة لقدر الإنسانية المشرق مهما اشتدت ظلمة اللحظة الحاضرة للوعي البشري. فعلوم الإيزوتيريك التي تخطّت مؤلفاتها المئة بثماني لغات حتى تاريخه، تفصّل منهج ترقّي الإنسان وتشرّحه لبلوغ هذا المستقبل المشرق وعيًا إنسانيًا…

عرَّفت علوم الإيزوتيريك الأمل في كتاب “هكذا تعرفت إلى درب المجد” للدكتور جوزيف مجدلاني، مؤسس مركز علوم الإيزوتيريك في لبنان والعالم العربي “بالشعور المريح والعامل الفعّال. انما الأمل من دون الثقة بالنفس، من دون الايمان الفاعل، يعني الفراغ، الزيف، الوهم… يعني طموح الكسل وتصديق ما لا يحصل! فالأمل من دون العمل أشبه بصلاة تتمتمها الشفاه ولا تعبّر عنها القلوب!”

يرتبط الأمل بالمجهول وتحديداً بالمستقبل المجهول. فيعتبر الأمل توقع لمستقبل ايجابي مرتجى، انما غير حتمي.

نميز في ما يلي بين اربعة أشكال للأمل:

1 –الأمل غير الفاعل: وهو الأمل المتمثل بالحيادية وانتظار تفعيل هذا الأمل من الخارج. انه الأمل الفارغ المُعرَّف آنفاً. انه الأمل المتعارف عليه لدى السواد الأعظم من الناس، وهو الأمل الذي يجرّد صاحبه من أي دور، من أية مبادرة.

2 – الرجاء: اي الأمل المرتبط بمفاهيم ومشاعر ايمانية. يعتبر هذا النوع من الأمل مشابه إلى درجة بعيدة للأمل غير الفاعل. فتفاعلاته تقتصر على المشاعر من دون ان ترتقي إلى المستوى الفكري، فيترافق هذا النوع من الأمل مع التسليم الكلي لارادة خارجية.

3 – الأمل الفاعل: كما توحي تسميته هو الأمل القائم على قناعة تامة ان تحقيقه بحاجة إلى فعل، إلى عمل، إلى مبادرة وسعي دؤوب ومثابرة. وخلافاً للانواع المعددة اعلاه، انه يستحث الفكر لايجاد السبيل إلى بلوغه. فيتحول الأمل الفاعل في حياة المرء إلى هدف يصبو اليه ويسعى جاهداً لتحقيقه.

4 – أما الأمل الزائف فهو الأمل الواهم المبني على معطيات غير صحيحة او غير منطقية.

إن الإنسان الذي لا يدرك حقيقة الباطن الإنساني، يفهم الأمل من منطلق ايماني يتمثل باعتبار التعرض للمصاعب من جهة، وتخطّيها من جهة أخرى، رهن ارادة الهية، لها حكمتها التي يصعب، أو حتى يستحيل على المرء فهمها، فيلجأ الإنسان إلى الأمل، هذا المسكِّن الذي أنعمت به القدرة الالهية على الإنسان لتعينه على تحمل الشدائد ريثما تنتهي التجربة، ويتخطاها عبر فضيلة الصبر.

أما الإنسان الذي ابتدأ سلوك درب المعرفة، واطلع على نظام الكارما، أي نظام السبب والنتيجة، فيفهم الأمل عبر الايمان الواعي، الايمان المبني على معرفة الهدف من جهة، وفهم النظام الذي يجسد المنهج ويرسم الطريق باتجاه هذا الهدف. فيصبح الأمل بصيص نور يسترشد به ريثما يجد المخرج إلى النور.

مهما كان مستوى الوعي، ومهما اختلفت خبرة الإنسان، يبقى عنصر الأمل المنعكس في الإنسان تجسيدًا لحكمة النظام، ونواة للمحبة الإنسانية، وتأكيداً على مساعدة العناية الالهية للإنسان، ان هو ساعد نفسه طبعاً، وذلك عبر الفرص المتكررة والتحذيرات المتلاحقة و تأجيل او تسهيل التعويض عن الأخطاء …

في بعض الأحيان يلعب الأمل دوراً سلبياً في حياة الإنسان. بعبارة أخرى جهل الإنسان لحقيقة الأمل وسبب وجوده، يزيد من معاناته وآلامه. فالأمل المبني على تجاهل كلي للمعطيات الواقعية والهادف إلى الخروج من المشكلة بسحر ساحر هو ما يصح أن نطلق عليه تسمية الأمل السلبي أو الأمل غير الواعي.

فكم من الوقت يبدّد في انتظار آمال زائفة لتزهر؟

كم من حالة تستدعي الانتفاضة والتقويم، تراوح في جمودها على أمل النجاح؟

كم من خبرة كانت لتنجح ولآمال أن تتحقّق لو أبدى الإنسان بعض التفاعل والمجهود؟

وكم من آلام كان ليتم تفاديها لو تحقّق لها بعض المعرفة بدل الكثير من الأمل؟

فالأمل سيف ذو حدّين إنما يشكّل عنصر الوعي الحد الفاصل بينهما.

الأمل هو الطاقة التي تشحذ الميل الفطري عند الإنسان إلى التطور. إنه الجواب الذي يدفع السؤال إلى التمظهر بأحد أشكال التجربة الحياتية. إنه اليقين بالوصول إلى حل ما، في الوقت الذي لا نملك فيه أية معطيات لهذا الحل.

في النهاية، وعلى المدى البعيد، ما من أحد يفقد الأمل إلى الأبد. فالأمل من صلب تكوين النظام، إنه الخير المنعكس حتى في أدنى طبقات الوعي. فالسلبية مهما تفاقمت، تبقى مؤقتة ومحدودة في مخطط وجود الإنسان على الأرض.

فعلى مسار تطور الإنسان ترتسم مراحل الارتقاء. فيتحوّل الأمل إلى هدف، ويسير الإنسان نحو الاكتمال، فالكمال – الهدف الأكبر ومنتهى الآمال.

المهندس: بول أبي درغام – بيروت

esoteric-lebanon.org

موضوعات ذات صله : 

كيف يؤثر تطبيق علوم الإيزوتيريك على الصحة الجسدية والنفسية؟

شكرا للتعليق على الموضوع