يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

كان نهاراً جميلاً وهادئاً على الرغم من تواجد اولادها الثلاثة فى البيت ، حيث كانوا يتمتعون باجازة شم النسيم التى تمتد مدتها الى أسبوعين ، انقضى منهما أسبوعاً …

عادة ما يسبب وجودهم داخل المنزل ضجيجاً وصخباً وهرجاً ومرجاً ،الا ان اليوم وعلى غير عادتهم خيم عليهم هدوءاً غريباً ….

لم تتساءل عن الأسباب وراء تلك السكينة من باب “يا أيها الذين آمنوا لا تسالوا عن أشياء ان تُبْد لكم تسؤكم ” فاكتفت بالاستمتاع بها …. فهى تعشق السكون والصمت فلا شئ يعيد اليها حيويتها المفقودة ويشحن طاقتها المستنفدة مثل الاختلاء بنفسها فى حجرة خافتة الاضواء تستمع داخلها ، الى الموسيقى الهادئة او الاغانى المصرية القديمة، فتعود بها الى زمن الطرب الأصيل ، لترتشف رويداً رويداً مذاقه الفريد فترتوى روحها بعذب الألحان ورقى المعاني ورقة الكلمات ….

وبينما هى جالسة فى حجرتها ، تشاهد التليفزيون وترتب بعض أغراضها المتناثرة هنا وهناك منذ عدة ايّام ، نتيجة انشغالها بالعمل وعودتها فى ساعة متأخرة ؛ دخل عليها ابنها الأصغر ذو الرابعة عشر …

“مامى فاضيه أتكلم مع حضرتك شوية “

“اه طبعا حبيبى … فى ايه مالك !”

“مفيش انا كويس بس كنت عايز أسال حضرتك حاجه”

“خيييييير اسأل “خرجت إجابتها متشبعة بالارتياب والريبة ، فقد ظنت انه يريد ان يستأذنها فى الخروج مع رفاقه ومن ثم يطلب منها بعض المال كعادته

وهى كعادتها ستلبى مطلبه ، فلطالما كانت ضعيفة امام ابتسامته الرقيقة وصوته الوديع و أسلوبه المهذب فى الطلب

وبالرغم من ذلك ، كانت حريصة أشد الحرص على ان تلبى مطالبه باتزان وتعقل ووسطية ، فلم تسمح لنفسها يوماً فى ان تبالغ فى العطاء المادى او ان تدلله بدرجة مفرطة …

ففى نهاية الامر ، هى تعلم علم اليقين ان الام مسئولة مسئولية مباشرة عن تربية ابنها بشكل صحيح ليصبح رجلاً بكل ما تحمله الكلمة من معانى جمة … بالطبع للأب دور لا يستطيع احد انكاره لكن الام هى من تمسك بيدها زمام الأمور …. فإما ان تكون الأمور تحت السيطرة واما ان تخرج عنها ….

أعادها صوته من افكارها الشاردة “يا مامى …. مامييييييييييى”

“ايوه ايوه … قول عايز ايه … عايز تخرج طبعاً ومحتاج فلوس”

“لا مش خارج … انا عايز اسأل حضرتك حاجه … هو الواحد المفروض يبقى عنده اصحاب كتير ولا قليل …. يعنى المفروض يبقى عندى كام صاحب كده “

“هههههههههه ….. مش بتتحسب كده خالص …. خلينى أسالك الاول هو يعنى ايه صاحب من وجهة نظرك … يعنى امتى حد تعتبره صاحبك بجد “

” مممممم مش عارف …. لا يعنى … ممكن لو بنخرج مع بعض كتير … بنتكلم مع بعض فى التليفون …. كده يعنى !”

” دول كده ممكن يكونوا مجرد معارف …. مش شرط يكونوا اصحاب خالص …. بدليل ان فى ناس عندها اصحاب مش عايشين معاهم فى نفس البلد وممكن يتكلموا مع بعض كل فترة لكن أعز و اقرب واصدق اصحاب فى الدنيا”

“ممممم طب ايه طيب “

“بص يا حبيبى … الصاحب ده حاجات كتير اوى معتقدش انى هعرف أقولها كلها ….

بس الصاحب الحقيقى هو اللى لما تقع هيكون اول واحد يمد ايده بسرعة يسندك ويقومك مش هيقف يتفرج عليك ويضحك من بعيد …

الصاحب الحقيقى هو اللى فى اسوأ لحظات حياتك ملازمك زى خيالك حتى لو بعيد عنك ، يلازمك بالسؤال والاهتمام والمتابعة … تحس حتى وهو بعيد انه اقرب ليك من اللى حوليك …. مش بيقولوا “الصديق وقت الضيق”

الصاحب اللى بجد هو اول واحد تلمح على وشه ابتسامة سعادة لو نجحت او كنت فرحان و اول واحد عنيه تتملى دموع لو كنت حزين وبتواجه مشكلة …..

الصاحب اللى بجد يسمع سكوتك ويفهمه ويعرف مالك من غير ما تتكلم …. يبقى مستعد يعمل اى حاجة عشان يساعدك فى حل مشاكلك …

الصاحب اللى بجد هيرد غيبتك ويدافع عنك ويبقى ضهرك حتى لو غلطان….. لكن اول ما تبقوا لوحدكم مش هيغشك ولا هيكدب عليك وهيكشفك قدام نفسك علشان “الصديق من يصدقك القول” …

الصاحب اللى بحق وحقيق ، هيقبلك ويحبك زى ما انت من غير شروط … لكن هيسعى كل يوم انه يساعدك تكون شخص أحسن شخص افضل..شخص عارف ومتأكد انك تقدر تكونه “

الصاحب اللى بجد هيحبك فى كل أحوالك تخين رفيع، طويل قصير، ابيض اسمر، ناجح فاشل، سعيد زعلان، بترغى ساكت ، قريب بعيد ، عصبى هادى ، فرفوش نكدى…. هيقبلك زى ما انت …

الصاحب حاجات تانيه كتير بس اعتقد انها كده وصلت ….

ويبقى كده الصحوبية مش بالكم …بالكيف”

” انا كده المفروض فهمت …كم وكيف!!!”

ههههههههه ….. معلش ساعات بنسى نفسى وبقول كلام كبير ….. يعنى يا حبيبى مش بالعدد …. بالقيمة … فهمت !!!”

“مش اوى الصراحة …”

“هفهمك بمثال هيعجبك …. الفلوس …. ولو انه مش المفروض أشبه الصداقة بالفلوس بس عشان تفهم وأقرب لك المعنى

تخيل ان معاك ورقة واحدة قيمتها مائة جنية …. دى أقيم ولا عشرين ورقه كل ورقة قيمتها جنيه ..!؟”

“مممممم “

” احسبها يلا “

“لا طبعاً الورقة اللى بمائة أحسن كتير وقيمتها اكبر “

“الله ينور عليك … الصحاب كده بالظبط … مش بالعدد …. بالقيمة … ممكن جدا صاحب واحد حقيقى وجدع يبقى زى الورقة اللى بالمائة جنيه ….. قصاد عشرين واحد ملهمش قيمة ولا يعرفوا المعنى الحقيقى للصداقة”

“فهمت يا ماما”

“أقولك حاجه كمان … طول ما انت صغير هتحس ان صحابك كتييييييييير اوى وكل ما هتكبر وهتجمعك بيهم مواقف وظروف … هتلاقيهم زى اللى بقوا فى امتحان لتقييم الصداقة… منهم اللى هيسقط سقوط عجب ومنهم اللى هينجح بامتياز …. دول بقى اللى تمسك فيهم بإيدك وسنانك …. زى ما تمسك فى ورقة بمليون جنيه…

ومع الوقت وكل ما هتكبر اكتر واكتر … دايرة الأصدقاء هتضيق وتصغر لكن بالتأكيد القيمة هتزيد وتكبر ….. علشان هتطرد براها الرخيص وتحتفظ بالغالى….فهمت “

“حاجه اخيره …. زى ما انت هتدور على الصاحب الجدع اللى بحق وحقيق …. غيرك هينتظر منك انك تكون صاحب جدع برضه …

فاحرص دايماً انك تكون صاحب بحق وحقيق

وانت الكسبان أصل “الطيور على اشكالها تقع”

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

 اقرأ للكاتبة : 

حكايا هُن … اصدار جديد ل “دينا ابوالوفا”

شكرا للتعليق على الموضوع