مغالطاتٍ وأخطاءً علميةً فيزيائيةً رسخت في الأذهان
يقال أن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، وهذا شيءٌ جميلٌ. ولكن ماذا إذا كان بعضٌ من ذلك العلم مليئاً بأخطاءٍ ومغالطاتٍ بُنيت هكذا من الفراغ، بُنيت على آراءٍ تصوريةٍ من غير أي استنادٍ علميٍ، ثم أصبحت شيئاً مسلماً به بديهياً حُفر ونُقش في العقل؟ أتراه يتغير؟!
يخبرنا التاريخ بأنه سيتغير، فإن الماء إن استمر بالتقطير دائماً على صخرةٍ فلا بد من أن يأتي يومٌ يستطيع فيه الماء محو ذلك المنقوش على الصخر، بل وسيكتب باستمراره هذا ما أراد. فعلى الرغم من ضعف قطرة الماء وقوة الصخرة، إلا أن الإصرار يصنع المستحيل حتى إن كان ذلك مستبعداً يوماً ما.
في هذا المقال سنستعرض مغالطاتٍ وأخطاءً علميةً فيزيائيةً رسخت في الأذهان، بل وتوارثت من جيلٍ لآخر على أنها مسلماتٌ طبيعيةٌ:
1 – من قوانين الطبيعة أن كل شيءٍ متحركٍ سيأتي وقتٌ ويتوقف فيه بالتأكيد ولن يستمر هكذا متحركاً إلى الأبد. مثال ذلك: إذا قمنا بدحرجة كرةٍ على الأرض، فإنه سيأتي وقتٌ وتتوقف فيه هذه الكرة عن التدحرج، لماذا؟! لأن هذه هي الطبيعة. وفي هذا جانبٌ من الصحة وجانبٌ فادح من الخطأ، ولذلك صاغ نيوتن قانونه الأول للحركة: يبقى الجسم المتحرك أو الساكن على حالته من الحركة أو السكون مالم تؤثر عليه قوةٌ خارجيةٌ تعمل على إيقافه أو تحريكه. وهنا عندما عجزنا عن فهم سبب توقف الكرة قمنا بإرجاع ذلك إلى الطبيعة، وهذا خطأٌ، ففي الحقيقة أننا جهلنا السبب لأنه خفيّ عنا بعض الشيء سابقاً قبل تطور العلوم، ألا وهو قوة الاحتكاك. نعم، قوة الاحتكاك هي السبب في إيقاف الكرة، وقد برهن قانون نيوتن ذلك.
2 – لماذا تحتاج الأجسام الثقيلة إلى قوةٍ كبيرةٍ لدفعها؟! لأنها ثقيلةٌ، وهذا من أكثر المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الناس. فسبب كبرِ المجهود والقوة التي تتطلبها الأجسام الكبيرة يعود إلى القصور الذاتيّ، والذي عبر عنه نيوتن في قانونه الأول بأنه مقاومة الجسم الساكن للحركة. حيث تتوقف القوة المطلوبة لتغيير حركة الجسم على كتلته، فكلما كانت كتلة الجسم أكبر كلما كان تحريكه أو تغيير اتجاهه أصعب.
3 – الأشياء الأثقل وزناً تسقط إلى الأرض أسرع من الخفيفة، وهذا المفهوم بالطبع خاطئٌ. فحتى إن كان ذلك مشاهَداً لنا بالعين المجردة، إلا أنه ثبت أن الأجسام تسقط (تتسارع) إلى الأرض بنفس المقدار. وهذا ما أثبتته تجربه غاليليو في عام 1589مـ بإسقاط مادتين مختلفتين في الكتلة من أعلى برج بيزا المائل وأثبت أن الأجسام تسقط إلى الأرض بنفس التسارع. إذاً لماذا تبدو الأجسام الأثقل هي الأسرع؟! السبب هو مقاومة الهواء، فلو أسقطتَ ريشةً وكرة البولينغ في مكانٍ مفرغٍ من الهواء، لوصلتا إلى الأرض في نفس الوقت.
4 – لماذا يطير رواد الفضاء في مركباتهم؟! بسبب انعدام الجاذبية في الفضاء، وهذا مفهوم خاطئٌ. فالجاذبية ليست مقتصرةً على كوكب الأرض، فالكواكب الأخرى لها جاذبيةٌ أيضاً ولكنها تختلف عن جاذبية الأرض. فرواد الفضاء لا “يطيرون” ولكنهم “يسبحون”، ومن المعروف أن قوة الجاذبية تضعف كلما زادت المسافة عن سطح الأرض. ولتوضيح ذلك أكثر، يتعرض رواد الفضاء داخل المركبة لسقوطٍ حرٍ نحو الأرض نتيجةً لقوة الجاذبية الأرضية، فيبدون وكأنهم يسبحون لأنهم يسقطون معاً.
5 – تتحرك الكواكب في مداراتٍ دائريةٍ حول الشمس، وهذا خطأٌ. فالكواكب تتحرك في الواقع في مداراتٍ إهليجية الشكل، وبالتحديد على شكل قطعٍ ناقصٍ. حيث بيّن قانون كيبلر الأول ذلك، والذي وصف به حركة الكواكب.
6 – أن الجاذبية قوةٌ مؤثرةٌ بين جسمين ذوا كتلةٍ يؤثر كلاًّ منهما على الآخر لتصنع مجالاً للجاذبية. فمثلاً إذا نظرنا بين الأرض والقمر فكأننا نرى خيطاً بينهم يمثل الجاذبية، وإذا انقطع هذا الخيط سيسبح كلٌّ منهما في الفضاء وهذا هو ما رآه نيوتن. ولكن أينشتاين فسرها بطريقةٍ أخرى في النسبية العامة، حيث قال بأن الجاذبية هي ليست قوةً في حد ذاتها ولكنها انحناءٌ واضطرابٌ في نسيج الزمكان. فمثلاً إذا تحرك الضوء فسيسلك مساراً مستقيماً، ولكن انحناء وتشوه نسيج الزمكان سيجعل هذا المسار منحنياً. ولقد رُصدت موجات الجاذبية مؤخراً، والتي تمثل انحناءً في نسيج الكون بالكامل كما تنبأ بها أينشتاين قبل 100 عامٍ.
هذه ست نقاطٍ من الأخطاء التي علقت بذاكرتي وتعلمتها في صغري، وغيرها كثيرٌ سنتطرق له في مقالٍ أخر. وتذكّر دوماً بأن الخطأ وُجد لأن نقيضه وُجد، وهنا يأتي الاختيار: فإما إغماض العينين عن البحث عن الحقائق، والإصرار على الخطأ، وإما العكس تماماً.
لمياء بن إبراهيم