الأطفال يتذوقون الموسيقى ولا يكتفون بسماعها

التلغراف – مجتمع : برهنت تجارب علميّة حديثة أن الطفل يتذوّق الموسيقى بعيد ولادته، بمعنى أن «تفضيلاته» في ذلك الفن تظهر حتى في ذلك العمر المبكر. وفي عمر الشهرين، يلتفت الأطفال نحو أصوات بعينها، فيما يهملون أخرى. ولكل شعب لغته، بينما الموسيقى لغة العالم بأجمعه، بل الأجيال جميعها على مرّ العصور. ولكن، يبدو أن تذوق الموسيقى ليس حكراً على الكبار، بل يتذوقها الصغار أيضاً، وحتى حديثو الولادة. ليس من مبالغة. والأرجح أن تعلّم الموسيقى يبدأ حتى قبل يبصر الطفل النور!

وعلى رغم أن الأذن تمتلك خلايا حسيَّة أقل عدداً من الأعضاء الأخرى المختصة بالأحاسيس، فإنها تؤثر عميقاً في البشر، ربما لأن تأثيرها يبدأ مبكّراً. ولا يتردّد العلماء حاضراً في القول إن دماغ الرضيع يتفاعل مع الموسيقى، فيستجيب لمتغيّراتها حتى قبل استجابته للكلمات. ولعل ذلك هو السبب في أن من يربي طفلاً يلجأ بصورة غريزيّة إلى التواصل معه بأسلوب موسيقي، فيستعمل طبقات صوت واسعة المدى وعبارات شبيهة باللحن، وهي غالباً تسمّى «مناغاة»، وتشيع لدى الشعوب كلها.

كذلك يبدو أن الأطفال يذهبون إلى أبعد من مجرّد الاستجابة إيجابيّاً لذلك النوع من التواصل، بل كأنما هم الذين «يعلمون» الموسيقى لمن ينهض بتربيتهم. ويقصد من ذلك أن الأطفال يشجعون سلوك أمهاتهم ومن يربيهم على استعمال المناغاة ذات الإيقاعات الموسيقيّة.

وقبل سنوات، أجريت دراسة رائدة عن ذلك الموضوع في «جامعة يورك» بمقاطعة «تورونتو» الكنديّة. في تلك الدراسة، طُلِبَ إلى أمّهات من شمال أميركا وشرق الهند أن يغنّين الأغنية نفسها مرتين بطريقتين مختلفتين: مرّة في حضور طفلهن وأخرى في غيابه. وبعد تكرار التجربة، تمكّن مستمعون من التمييز بدقة بين نوعي الغناء، بل حتى بغض النظر عما إذا كانوا يفهمون لغة الغناء. وتبيّن أن بعض الإيقاعات الموسيقيّة في مناغاة الطفل، تكون متقاربة الى حد كبير في ثقافات مختلفة.

ما لا تقوى عليه الكلمات

كيف يمكن أن يتأثر الأطفال بالموسيقى من دون أن يفهموا الكلمات؟ أجريت تجارب عدّة على ذلك الموضوع، اعتمدت قياسات موضوعيّة لسلوك الأطفال. وفي إحداها، أجلِسَ طفل في حضن أمه، وعلى يمينه ويساره مكبّر للصوت، وقربه صناديق بلاستيكيّة شفافة، لكنها مظلمة. وعندما يدير الطفل رأسه باتجاه أحد الصناديق، يكافأ بإضاءة الصندوق وبظهور لعبة حركية مثل كلب أو قرد. وبهدف جذب انتباه الطفل، يجري تحريك ألعاب موضوعة أمام مجال بصره بصورة مباشرة، مع عزف نغمة موسيقيّة من أحد المكبّرين.

وبصورة عشوائيّة، يضغط الباحث على زر مخبأ كي يغيّر العزف الموسيقي. وكشفت الاختبارات أن الطفل يستطيع تمييز نغمتين موسيقيتين حتى لو كانتا متشابهتين كثيراً، تماماً كالبالغين.

أكثر من ذلك، استطاع الأطفال ملاحظة الفوارق التي تنجم عن تبدّل الإيقاع والسرعة في اللحن عينه! كما استطاعوا التعرّف إلى لحن معيّن، حتى عندما يعزف بمفتاح مختلف.

وفي تجارب مشابهة أخرى أجرتها «جامعة تورنتو» حديثاً، لوحِظ أن الأطفال في عمر يتراوح بين شهرين و6 شهور، يفضّلون الأصوات المتناغمة على المتنافرة.

وهناك تجارب ذاع أمرها أجرتها «جامعة كوين» في بلفاست، أثبتت أن الجنين يبدأ تعلّم الموسيقى قبل الولادة بقرابة أسبوعين. إذ ميّزت الأجنّة بين موسيقى غير مألوفة من جهة، والأنغام الموسيقيّة التي تصاحب البرامج التلفزيونيّة التي تشاهدهه أمهاتهم يوميّاً.

ولعل المربين يستفيدون في تلك التجارب، عبر الالتفات بجديّة إلى أهمية الموسيقى لدى الطفل، واحترام تذوقه الفطري لها، لأن ذلك يشكّل خبرة موسيقية مبكرة من الممكن أن تساعده على النمو.

شكرا للتعليق على الموضوع