يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

كاد يومها الحافل ان ينتهى ، وتنقضى دقائقه الاخيرة ….

كانت مستلقية فى فراشها ، تحتسى كوب الشاى الأخضر الثالث والأخير لهذا اليوم ، تتصفح بريدها الالكتروني الشخصى -كما تعودت فى نهاية كل يوم قبل الخلود الى النوم – لكى تتحقق من الرسائل التى وصلتها وترى ما اذا كان اى منها ذات أهمية ويستدعى رداً سريعاً منها …

وبينما هى تفتش بعينيها وتحرك الصفحة لأسفل بإبهامها ، وجدت رسالة من مدرس الفصل الملتحق به ابنها ….

“يا ساتر استر يا رب ….. خير اللهم اجعله خير … يا ترى عملت ايه المره دى يابنى”

ترددت فى فتح الرسالة ، فقد توقعت الأسوأ ، فقد تعودت الا يتصل بها مدرس الفصل الا فى حالة حدوث الكوارث !!!

ورسالة تثير حنقها وتستفذها هى اخر ما تبحث عنه قبل النوم …. فهى لا تطيق فكرة ان تظل مستيقظة طوال الليل -رغم إرهاقها -بسبب انشغال بالها بأمر ما …

فكرت ان تنتظر حتى الصباح لقراءتها “فالصباح رباح” ولكنها لم تستطع ، فعاجلاً ام آجلاً ستضطر لمواجهة ما تحمله لها تلك الرسالة الليلية… فاين وكيف المفر من واجبها كأم !؟ …. بالتأكيد لا مجال للفرار ولذا قررت قراءتها وكان لها ما توقعته ….

كان مضمون الرسالة انه يرغب فى مقابلتها لمناقشة مستوى ابنها الدراسى والأسباب وراء عدم اكتراث ابنها بالدراسة الى هذا الحد رغم علمه بمستوى ذكائه المرتفع وقدراته غير المفعلة !!!!

لم يغمض لها جفن حتى أشرقت شمس نهار اليوم التالى … كانت تفكر فى كلمة واحدة

“الأسباب ” …. الأسباب وراء لا مبالاة ابنها

وبالرغم من انها كانت تعلم ان الأسباب قد تكون متعددة الا انها كانت على يقين أيضاً ان هناك سبباً واحداً رئيسياً أدى الى تلك الحالة …

تماسكت فى الصباح واختارت الا تناقش موضوع الرسالة مع ابنها حتى تهدأ وترتب افكارها واكتفت بإلقاء تحية الصباح على اولادها الثلاثة” صباح الخير حبايب مامى .. قوموا يلا … الساعة سابعه الا تلت … يلا حبايبى”

وبعد ان استعد اولادها، ودعوها وخرجوا متوجهين الى المدرسة فى صحبة خالتهم وأولاد خالتهم الذين مروا عليهم بالسيارة ، بالرغم من ان المدرسة تقع على مقربة من منزلهم

اما هى فقد انتهت من مهام الصباح المنزلية وارتدت ملابسها وتركت المنزل بعد ما يقرب من ساعة من رحيلهم

مر يومها ثقيلاً، باهتاً ،كئيباً ….. لم تنجز فيه اى من مهام عملها التى اعتادت تدوينها فى “نوته” على مكتبها ، حتى يتسنى لها ترتيب أولوياتها و الانتهاء من أكثرها أهمية وعجلة ، وحتى لا تنسى منها شيئاً …

وانتهى اليوم وعادت الى المنزل لتجد اولادها الثلاث وقد انتهوا من استذكار دروسهم ، وجلسوا معاً على الارض يشاهدون التلفاز ويلتهمون طبق فشار كبير …..

فالقت عليهم التحية ” ازيكم يا ولاد ، شكلكم كده خلصتوا مذاكرة بما انكم قاعدين رايقين كده ومزاجكم عالى … انا هغير هدومى واصلى وهاجيلكم … عايزة أتكلم معاكم شوية”

وبالفعل عادت اليهم بعد نصف ساعة ، واستلقت على الفراش بجانب ابنتها التى سألتها دون اى مقدمات ” مامى هو انت ليه مصممة تتعبى اوى كده فى شغلك … ليه بجد !!!”

ابتسمت الام فربما جاء هذا التساؤل فى وقته حيث تكمن فى الإجابة عليه رسالة كانت تنوى ان تبعث بها لابنها فى تلك الليلة …

أخذت نفساً عميقاً وصمتت لعدة ثوان ثم مزحت قائلة “سؤال وجيه جدا … ليه بتعب نفسى صحيح …. والله ما عارفه … انا رأيى ابطل … كفايه على كده اوى !!!” وضحكت

“لا يا مامى بجد … ايه لازمة التعب … هتوقفى امتى ؟”

“معتقدش ان عمرى ما هقدر أوقف للأسف “

“ليه بقى”

“علشان حاجه واحدة يا حبيبتى … الطموح

الطموح ده رغبة كده نابعة من جواكى … ملكيش يد فيها ، متقدريش تقاوميها ولا تغلبيها… احساس بالحاجة الماسة للنجاح والتفوق …. احتياج لأنك تطورى وتكبرى وتبقى حاجة كبيرة … تبقى شخص غير عادى ومتميز فى وسط الاف الناس العادية ومبسوطة انها عادية …

رغبة مينفعش حد يزرعها جواكى بالعافية …

يا عندك يا مش عندك … يمكن تكون مش موجودة عندك فى بداية حياتك وانت سنك صغير لانها محتاجة شخص ناضج لكن مع الوقت ومع زيادة النضوج وزيادة فهمك للحياة ، تظهر جواكى وتكبر بقرار منك انت بس “

ونظرت الى ابنها الذى فاجأها سائلاً إياها

“وايه علاقة الطموح بأنك تتعبى اوى كده …

ما انت أكيد لو تعبتى اقل اكيد برده هتنجحى …”

سكتت للحظات وأجابت ” أقولك يا سيدى …

لو حبيت تروح لآخر الشارع هتعمل ايه …”

” هخلى حضرتك توصلينى بالعربية “

“ماشى يا لمض وليكن … وده معناه انك متعبتش فى حاجة تقريباً … يا دوب مشيت لحد العربية صح !!

“اه بس وصلت للى انا عايزه من غير تعب اهو “

“طب لو حبيت تروح لحد المدرسة مشى”

” هوصل بس هتعب شوية لان السكة أطول”

“حلو اوى اوى … طب لو حبيت تروح لحد المول تشترى حاجات”

” هروح ب اوبر ….. ههههههههه “

” والأوبر ده مش عايز فلوس … يعنى فى تمن لازم تدفعه عشان يوصلك …. مش هتوصل ببلاش ولا شكك يا حبيبى !! وافترض انك حبيت تخرج مع أصحابك نقول مثلا مصر الجديدة واحنا فى زايد ….”

” تمام … عادى هاخد اوبر برده “

“وهتدفع اكتر يا فالح … صح ولا لا !؟ “

“اه صح “

“طب لو حبينا نسافر شرم الشيخ ولا الغردقة “

” هنروح بالطيارة …. مش قصة !!”

“بس تذكرة الطيارة قصة يا باشا …. لأنك هتدفع اكتر كتير من الأوبر عشان توصل لمكان ابعد !! تخيل بقى انك عايز تروح أمريكا …. التذكرة اغلى وأغلى والتمن اللى هتدفعه اعلى كتير اوى

اما بقى لو حبيت تطلع القمر …. هتدفع ملايين يا حبيبى …. يعنى تمن الوصول لفوق اعلى كتييييييييير …..

ودى نفس فكرة الطموح بالظبط …. على قد طموحاتك واحلامك هتتعب …

لو طموحك اخره ، اخر الشارع يبقى غالباً مش محتاج تتعب فى حاجه …. بس هتبقى زيك زى ناس كتير عادية … ماشيين على الارض وزاحمينها على الفاضى الحقيقة …

لكن بقى لو طموحك على قد شرم ولا الغردقة يبقى هتتعب شويتين زيادة عشان توصل ….

ممكن بقى تيجى عند كده وتقول تمام اوى … اكتفى بهذا القدر …

وممكن طموحك ياخدك لامريكا تتعب اكتر واكتر وتدفع تمن تذكرتها ، جهد وجد واجتهاد ومثابرة واصرار واستمرارية ….

وممكن بقى تلاقى نفسك عايز تطول النجوم وتوصل للقمر ، فتتعب اكتر واكتر واكتر واكتر … ومتوقفش غير لما توصل … فهمت !!!

يعنى باختصار شوف انت عايز توصل لفين وانت تعرف محتاج تتعب قد ايه

“حابب تروح لآخر الشارع ولا تطلع القمر وتلمس النجوم”

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة : 

يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

شكرا للتعليق على الموضوع