يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

داهم سكون عقلى بالامس قبل موعد نومى بقليل ، صخب خاطرة أيقظت النوم فى عينى ….

لم ترد بذهنى هذه الخاطرة من قبل رغم انها بدت لى بديهيه حين اتتنى …

فكيف غابت عنى كل هذا الوقت ،لا ادرى !!!!

داهمتنى ، بعد ان سرت نحو دولاب ملابسى بالحجرة و فتحت أحد ادراجه ، لأضع بداخل ملف محفوظ فيه ، ورقتان ….مجرد ورقتان …

فظللت انظر الى الملف مطولاً ، اتصفح محتوياته و اقلب اغلفته البلاستيكية من الامام الى الوراء حيث وضعت الورقتين اللتين كانتا فى يدى …

حينها طال فكرى و شرودى و ادركت ان حياتى و ربما حياة أغلب الناس ، ما هى الا مجموعة اوراق بيضاء تتابعت و اصطفت واحدة تلو الاخرى لتختزل حياتنا، بدربها الطويل الوعر و محطاتها المتتالية ، بأيامها و أحلامها و قراراتها و توابعها …

فتكشف فى طياتهاعّن نقاط تحول و انتقال رئيسية …

نقاط وجدنا أنفسنا ، نغير عندها مسارنا واتجاهنا فى الحياة يميناً و شمالاً ، الى الاعلى ، الى الأسفل ، الى الأمام ، الى الخلف …

سكنت فى اولى الأغلفة البلاستيكية ، شهادة ميلادى ، حيث كتب اسمى و اسم ابى و اسم امى و جهة ميلادى و التاريخ ، فبدأت حياتى دون قرار منى فلم اختر اسمى و لم اختر والدىّ و لم اختر جهة ميلادى و لا حتى المكان …

لكن الله اختار بدايتى …..” فكان لله ما أراد ان يكون” …

ثم توالت الشهادات الدراسية الابتدائية و الإعدادية و الثانوية ….. كم كنت تلميذة مجتهدة !!!!

رغم انى لم اختر مدرستى ولا معلمينى ، فظننت أن ذاك الاختيار كان لابواى ، حتى تفهمت” ان كان لله ما أراد ان يكون” …

ثم شهادة التخرج الجامعية …. بكالويوس الطب و الجراحة العامة التى جعلت منى طبيبة فى سن صغيرة …. كان هذا ربما اول اختياراتى ولكنه كان اختياراً موجهاً ، برغبة ملحة من امى كى أكون طبيبة فكان لها ما تمنت ….. انما الحقيقة “ان كان لله ما أراد ان يكون” …

ثم وصلت الى ورقة عقد زواجى فتسارعت امامى الذكريات و المشاهد و اللحظات فكان كل شىء يسير كما أردت تماماً …. انما الحقيقة “ان كان لله ما أراد ان يكون” …

ثم شهادة الماجستير ، التى جعلت منى طبيبة أطفال وكان هذا القرار باختيارى الحر و محض ارادتى فتصورت انى اخيراً املك زمام امرى …. انما الحقيقة “ان كان لله ما أراد ان يكون” …

ثم شهادات ميلاد اولادى …. فكانوا ولا يزالوا اعظم وأجمل و اسعد نقاط التحول فى حياتى … بارك الله لى فيهم وحفظهم من كل سوء …

مرة اخرى لم يكن لى يد او فضل فى تلك النعمه … “انما كان لله ما أراد ان يكون” …

ثم شهادة ماجستير إدارة الاعمال ، التى كانت احدى الاسباب التى تغير بها مجال عملى تماماً، فتخيلت انى أدير الدفة كما تهوى رياحى و” انما كان لله ما اراد ان يكون ” …

ثم توالت تباعاً اوراق التعيين فى جهة عمل تلو الاخرى وتوالت معها اوراق الاستقاله واحدة تلو الاخرى أيضاً ، فضحكت ساخرة من نفسى !!!!

و لكن سرعان ما توقفت الضحكات لأفكر “يا لها من تنقلات ، يا لها من قفزات “…

ان تقف مكانك بلا حراك فهذا امر سهل ، الا تطمح فى كل ما هو جديد، في كل ما هو اكبر، فهذا وضع مريح ربما يعتاده الكثيرون و يرتاحون له …

اما ان تظل تسير قدماً بخطى مدروسة محسوبة ثابتة ، فهذا يحتاج الى قدر كبير من الجرأة و الرغبة فى المخاطرة و الشجاعة لتحَمُل تباعيات تلك المخاطر اى كانت ….

و نعود لنظن ان كل تلك الخطوات و حساباتنا الدقيقة و خططنا المرسومة لها كانت بمحض اختيارنا و بكامل ارادتنا لكن هيهات …. “انما كان لله ما أراد ان يكون” …

فنظل بمرور الأيام نطوى الصفحات حتى انقضاء العمر ، نضيف لملف حياتنا ورقة وراء ورقة وراء ورقة وراء ورقة …

الى ان نصل للمحطة الاخيره لنقطة النهاية …

حين يتطابق ملف الحياة باوراقه المبعثرة ، مع كتاب قد كتبه الله لنا من قبل ان نولد ….

” فللّه ما أراد ان يكون “…

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة :

أعانه الله على أيام سوداء

شكرا للتعليق على الموضوع