إسماعيل الهدار يكتب : الامتحان الحقيقي للوعي التونسي
حقاً، مللنا هذا الحضور المجحف لهذه الكلمة الخانقة “أزمة”. أطبقت على وعي المجتمع التونسي في ظلّ اختراقها كل المجالات، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى تجذير دلالات الإحباط واليأس. ساهم هذا الوضع تدريجياً في تلاشي مفاهيم الأمل والسعادة أمام تجسيد معطيات الخوف، القلق والانزعاج.
تهدد أطياف المجهول ذلك الوعي المكبّل بأغلال الأزمات، فبالنسبة للمواطن، الأزمة خانقة، مهدّدة لاستقراره وراحته النفسية، لهذا فإنّ شعوره بالخوف والقلق بديهي ومبرّر أمام تعدّد تلك الأزمات وتفاقمها.
اخترقت كلمة “أزمة” جلّ المنابر الإعلامية والملتقيات والمقاهي والأسواق، وكذلك الأسر. لم يعد هناك حديث عن تطور، تحديث، تثمين لإنجازات أو حتى مؤشرات أمل، تبشّر بمستقبل جيد. الكل شغله الشاغل مناقشة مواضيع الأزمات، فهناك من اتخذوا طريق التهويل إلى درجة استشراف أزمات أخرى، واعتمد آخرون أسلوبا قائما على العقلنة لحظة التطرّق لظاهرة الأزمات، الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن حلول نسبية لتجاوزها.
لهذا كله، لا أجد اليوم غير هذه الكلمات التي يمكن أن تصف معاناة المواطن: أنا ذلك المواطن الذي سئم ذلك الخوف، المواطن الذي كره أشباه الحلول، وكابد القلق، والذي فقد الأمل، أنا ذلك المواطن الذي نسى معنى العزم، إني أندثر، فالأزمات تجعلني أحتضر أمام ذلك الغدر، لا زلت أبحث عن حل…
إنه امتحان معقد وشائك، يمر به الوعي الجماعي التونسي، فبين الصمود والانهيار يتخبّط ذلك الوعي. حقا لقد أرهقنا اليأس.
لكن الجميع يتحدّث عن “الامتحان الحقيقي”، سواء إن اعتمدها السياسي في مختلف خطاباته، أو النقابي في بعض شعاراته أو المواطن في جلّ حواراته الضيقة، فلا بد من استخراج معنى تلك العبارة، وكشف جوهرها.
عبارة “الامتحان الحقيقي” تفترض وجود وعي جماعي بتلك الأزمات، تستوجب التزاما، وتتطلب صمودا موحّدا، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح تساؤل حول مدى توفر هذه العناصر في وعي المجتمع التونسي؟
بعبارة أخرى، لتجاوز هذا “الامتحان الحقيقي”: هل المجتمع التونسي قادر على الجمع بين الوعي، الالتزام والصمود؟
ليست الإجابة بالأمر البديهي السهل والهين، لكننا هنا لا نبحث عن كلمتي نعم أم لا، بقدر ما نبحث عن عباراتٍ من قبيل “يمكنه ما إذا اعتمد…” أو “قادر على الجمع، إذا…” أو كذلك “عليه أن…”. إننا نبحث باختصار عن أفعالٍ من شأنها أن تساهم في اجتياز هذا “الامتحان الحقيقي”.
لا يعد هذا التحليل تهرّبا من الإجابة، ولكن ليس من العقلاني والمنطقي والمعقول أن نجزم بطريقة تعسّفية، فالأمر يتطلب انتظار كيفية تعامل المجتمع التونسي مع هذه الأزمات، فالامتحان لا زال قائما، والإجابة لن تكون سريعة. نأمل أن يكلّل هذا “الامتحان الحقيقي” بنجاح مرموق، حتى يرتقي ليكون بذلك تجربة تستحق الدراسة والاقتداء بها.
نكتب، لا من أجل أن نحرج أوطاننا، لكننا نكتب من أجل هزيمة ما أرهقنا وراعنا.
إسماعيل الهدار كاتب وشاعر تونسي