فؤاد الصباغ يكتب : جدار ترامب الفولاذي

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه الأيام أزمة سياسية داخلية تسببت فيها القرارات الهستيرية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب و ذلك من خلال الإغلاق الحكومي الجزئي لأغلب المؤسسات العمومية الأمريكية و إصراره المتواصل علي تنفيذ مشروع بناء جداره الفولاذي المكلف جدا. فهذه الأزمة كانت لها تداعيات عميقة علي الميزانية الحكومية المقبلة بحيث تسبب هذا الإغلاق الحكومي في خسارة العديد من مليارات الدولارات يوميا.

 إن جنون العظمة لشخصية ترامب المصنف كمريض نفساني أدت إلي تدهور الأمور الداخلية لإدارة البيت الأبيض بحيث برزت الإستقالات بالجملة، كما زادت عليها قراراته بإنسحابه من أغلب الإتفاقيات الدولية مع فرض ضرائب جمركية في المبادلات التجارية الأمريكية مع الإتحاد الأوروبي. لكن لم يقتصر الأمر علي هذا فقط بل إتجهت هذه القرارات الخطيرة نحو مجلس الكونغرس و ذلك من أجل تمويل مشروعه الضخم المعروف بالجدار الفولاذي العازل بين الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك. كما أن سيناريوهات تواصل هذه الأزمة لم تنتهي بعد خاصة بعد الخلاف الحاد بينه و بين أعضاء الكونغرس و علي رأسهم نانسي بلوسي و تشاك شومر. فهذه الهستيريا الترامبية و ذلك بالشعور بالعظمة و كأنه “فرعون العصر أو قارون القرن” تشكل تهديدا لمستقبل العلاقات الخارجية الأمريكية مع دول الجوار أو بقية دول العالم.

فمن أهم مطالب الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص بناء هذا الجدار الفولاذي الضخم هو صرف تمويل هائل لتنفيذ مشروعه متمثلا في مبلغ مالي يقدر ب 800 مليون دولار كمساعدات إنسانية للاجئين و المهاجرين غير الشرعيين من أمريكا اللاتينية و العالقين علي الحدود المكسيكية. بالإضافة لذلك مطالبته بمبلغ إضافي ب 850 مليون دولار كمساهمة لمكافحة تهريب المخدرات و البشر و السلاح عبر تلك الحدود. أما في المقابل فتكلفة الجدار الفولاذي المزمع تشييده ستبلغ حسب التقديرات الأولية مبلغ إجمالي يقدر ب 5.7 مليار دولار و هذا يعتبر مبلغ مهول في مشروع لا يحقق عائدات مالية و ليس من الضروري إنجازه. كذلك صرح بأنه سيبقي علي قانون حماية المهاجرين الغير شرعيين و اللاجئين الذي وقعه الرئيس السابق بارك أوباما سنة 2012 و ذلك لمدة ثلاثة سنوات إضافية حتي يتسنى للجهات الأمنية تسوية وضعيتهم القانونية.

 إن هذا الجدار لا يمثل إنجازا تنمويا ليقع الإستثمار في تمويله بكل هذه الأموال الضخمة و التي تتطلب كميات كبيرة من الفولاذ الباهظة أو أيضا بإستعمال النفوذ السياسي لتعطيل المصالح الحكومية بفرض غلق شامل و كامل علي أغلب المؤسسات الحكومية. ففي المقابل يعد تمسك أعضاء الكونغرس بالرفض مبررا لأن كل هذه الأموال لها مصدرها و من الأجدر توجيهها إلي الشؤون الإقتصادية الداخلية المفيدة ذات المردودية الفاعلة و النجاعة العالية.

 إذ يمكن في المقابل كبديل إستعمال الأسلاك الحديدية و الكهربائية أو زراعة أشجار الصنوبر أو التين الشوكي علي طول الحدود مع فرض الرقابة بالإستشعار الحراري و الكلاب البولوسية أفضل من إستنزاف مبالغ مالية ضخمة من الخزينة الأمريكية العامة علي مشروع لا يستحق التنفيذ علي أرض الواقع.

 أما مطالبة ترامب بتوفير طاقم ضخم متكون من 1700 عامل و 85 خبير تكنولوجي للإشراف علي  مراقبة هذا الجدار يمثل أيضا عائق نظرا لزيادة التكلفة المادية للإنجاز و أيضا للتسيير و المتابعة. فعلي الرغم من إيجابيات هذا الجدار الفولاذي للتصدي لتهريب المخدرات و البشر و تجارة السلاح و تخفيض نسبة الجريمة أو الإرهاب ، إلا أن السلبيات كانت هي الطاغية و تمثل حاجز لمواصلة التنفيذ نظرا للتكلفة الباهظة و عزل الولايات المتحدة عن فضائها الإقليمي. فمن الأهم و الأجدر لإدارة البيت الأبيض إيجاد حلول جذرية لتدفق هؤلاء الفقراء و المساكين من دول أمريكا اللاتينية نحو الولايات المتحدة الأمريكية بحيث توفي العديد منهم خاصة في صفوف الأطفال و المسنين علي الحدود المكسيكية في ظروف إنسانية سيئة جدا. إذ بإعتبار أمريكا دولة للحرية و الديمقراطية عليها تحمل مسؤوليتها لإغاثة الأبرياء المهاجرين و اللاجئين و توفير لهم ظروف عيش لائقة التي لم يجدوها في أوطانهم. فمن العار علي دولة عظمي أن تتلطخ أيديها بوفيات تلك الأطفال و اللاجئين علي الحدود و اللذين يبحثون عن العمل و المال فقط و لا غير.

ففي هذا الإطار من الواجب علي الكونجرس الأمريكي بدراسة الأسباب العميقة لأزمة هؤلاء النازحين و اللاجئين و طرح أفكار حقيقية لمساعدتهم من أجل إعادتهم لأوطانهم أو توفير لهم الإقامة القانونية الدائمة و الحماية اللازمة كحق العمل و كسب المال الشرعي.

كما يمكن في هذا الصدد تخصيص مبلغ مالي صغير لكل مهاجر غير شرعي يرغب في العودة لوطنه يضمن له رأس مال لإنجاز مشروع صغير لكسب رزقه و قوته اليومي. فالعار الكبير علي أمريكا أن تصرف كل تلك الأموال الضخمة علي ذلك الجدار الفولاذي و تهمل جوهر القضية و هي المساعدات الإنسانية لهؤلاء المضطهدين و المتضررين في أوطانهم.

إذ يمكن تحويل تلك المبالغ المطروحة علي الطاولة لتمويل مشروع الجدار و التي تتجاوز 6 مليار دولار إلي قروض إستثمارية لرجال الأعمال الأمريكيين من أجل إنجاز مشاريع و فروع مصانع أمريكية علي الحدود المكسيكية. أيضا يمكن الإستثمار الأمريكي المباشر في دول أمريكا اللاتينية و ذلك للحد من الزحف لهؤلاء المساكين نحو الحلم الأمريكي الذي أضحي لهم وهم و فناء من الحياة.

فؤاد الصباغ – كاتب تونسي و باحث اقتصادي

اقرأ للكاتب

فؤاد الصباغ يكتب : إتفاق البريكست…طلاق بالتراضي أم إنتظار المزيد من الإمتيازات؟

شكرا للتعليق على الموضوع