يوميات دينا ابو الوفا … عارفين
وقفت تحدق فى خزانة ملابسها … تزيح الشماعات بيديها يميناً ويساراً …. تلقى نظرة خاطفة على اختياراتها …لما يمكنها ان ترتديه اليوم ….
ربما استغرق وقوفها كذلك اكثر من عشر دقائق كاملة ولم تصل الى قرار حاسم نهائى …
عقارب الساعة تدور وعليها ارتداء ملابسها سريعاً فقد تأخرت على العمل …. عليها انتقاء شىء … أى شىء والسلام ….
جذبت “بلوفر ” اسود و”سروال” اسود والقتهما على الفراش خلفها دون اكتراث …..
هل اختارت اللون الأسود لانه احد ألوانها المفضلة ام لانه يجعلها تبدو وقورة ام لانه الاختيار الأسهل كلما وقفت حائرة امام اختياراتها ام لانه اللون الأكثر تناغماً مع شعورها الحالى…. لم تدرى
ارتدت ملابسها ووقفت امام المرآة …. سروال اسود بلوفر اسود حزاء اسود طويل يصل حد ركبتيها…
ما كل هذا السواد …
لقد جعلها تبدو وكأنها فى فترة حداد … ولكن حداد على من !!!
ارتسمت على شفتيها ابتسامة بائسة ، حين همست لنفسها بالإجابة …. تعلم جيداً من كانت تنعى اليوم …
لم تكن على استعداد للإجابة عن هذا السؤال علناً اذا ما طرح عليها وكان بالتأكيد سيطرح عليها … فاكثر ما يلفت النظر ويثير الانتباه هو ارتداء امرأة ملابس سوداء ….
ولانها ليست على استعداد للتساؤلات ، كان عليها ان تنتقى شيئاً ملوناً ترتديه لتكسر كل هذه العتمة !!!!
سارت نحو خزانة ملابسها مرة اخرى ،،،، وفتشت بعينيها عن شئ … احمر لا … لن ترتدى الأحمر…
فهو لونها المفضل ، رمز الحب ، لا … لن ترتديه الا وهى مبتهجة …
والبهجة غابت عنها منذ فترة ..
فليكن الرمادي …. لا فهو قاتم بعض الشئ ….
البيج …. لا …. سيزيد بشرتها شحوباً عما هى عليه، الروز …. لا …. فهو لون مقترن عندها بالتفاؤل وهو بالتأكيد شعور ابعد ما يكون عما يجول بداخلها الان …. ماذا إذن !؟
وقعت عيناها فجأة على جاكت أصفر اللون ، كان قد أهداه إياها احدهم …. لم ترتديه يوماً واكتفت بدسه بعيداً حتى نسيت أمره ….
فقد كانت تكره اللون الأصفر دوماً … فهو يرمز للغيرة ولطالما كانت تبغض الشعور بالغيرة ….
” لما لا سأرتديه ، فهناك مرة أولى لكل شئ …. أليس كذلك” هكذا همست لنفسها …
وقفت تضع المساحيق الملائمة ، وترتدى الحلى المناسبة …. نظرت الى نفسها فى المرآة فكانت المفاجاة غير المتوقعة …. بدت فاتنة فى اللون الأصفر … كم أضاف الى وجهها اشراقة غريبة لم تعهدها فيه منذ زمن !!!
فهمست مداعبة نفسها “الأصفر يليق بك ” ….
وصلت الى العمل واشاد الكثيرون بطلتها …
حتى هؤلاء الذين التزموا الصمت ، صرحت اعينهم بما لم ينطق به لسانهم … كانت جذابة …. ملفتة …
الا ان تلك الحقيقة لم تكن السبب وراء هدوءها وسكينتها خلال رحلة العودة الى منزلها …
بل كان الدرس الثمين الذى تعلمته اليوم ….
كان الأسود برغم حبها الشديد له واعتيادها عليه ، لوناً عليها اليوم التخلى عنه ، استبداله اًو طمسه ، فصار لوناً ارتدته اليوم حداداً على أشياء كثيرة …. أشياء ماتت بداخلها ولن تبعث من جديد … كانت أحد أهم تلك الأشياء هى نفسها القديمة … نفسها على صورتها الاولى التى لم يعد لوجودها معنى ولا منطق فى هذا الزمن …
فكان لابد ان ترحل هى او يرحل الزمن ويتبدل بزمن آخر اكثر تواؤماً معها !! فكان الاوقع ان ترحل هى لتحل محلها نسخة جديدة ، نسخة مطورة …
ربما كان الأسود حداداً على مشاعر واحاسيس قتلتها عمداً بيديها ، جزاء لها على ما أوقعته عليها من ضرر جسيم …
ربما كان الأسود حداداً على أشخاص اختاروا الرحيل عنها ولم يعد أمامها خيار سوى ان تمتثل لرغبتهم فتودعهم دون رجاء اًو استجداء…
اما اللون الأصفر ، فكان ذلك المجهول الذى لم تعلمه ، كان ذلك التغيير الذى تهابه ، ذلك التحول الذى تخشاه … تلك الخطوة الجريئة التى تؤجلها خشية التعثر … كان ذلك الجديد الذى تخاف الخوض فيه …. حتى ادركت اليوم ان “الأصفر يليق بها”.
اقرأ للكاتبة
هكذا استهلت يومها …. محترقة بنيران صديقة ….
