عبير نافع تكتب : التفاؤل نبض وعصب الحياة (3)

في الحلقة الثالثة ، دعونا نجتهد في استيعاب الفروق الجوهرية بين التفاؤل الحق والتفاؤل الخادع، وإنها لفروق شاسعة باتساع السموات والأرض، حيث قد يصاب المرء بفقدان توازنه الإيماني، بل يتزعزع إيمانه عند لحظة التصادم بين الواقع والأوهام، وقد يصل به إلى شفا حفرة من نار الكفر والإلحاد عند نهاية طريق التفاؤل الخادع، ليجد أمام وجهه حائطاً وسداً منيعاً لا يستطيع اختراقه، فيتزلزل كيانه من أثر الصدمة المفاجئة، محدثاً انشقاق في صفوف فكره الإيماني الناقص وغير الملم بحقائق إيمانية ثابتة، والذي ضعف وازداد وهناً على وهن، حتى لم يعد قادراً على مقاومة غزو الكفر والإلحاد الذي استوطن عقله ونجح في توطيد ملكه.

إذن، دعونا ننقب عن أمثلة من هذه الفروق المتباينة في الاختلاف، كالفرق بين التوكل على الله والتواكل، حيث نجد أن مفهوم التوكل على الله يتجلى في قول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: 《اعقلها وتوكل على الله》 كناية عن الأخذ بالأسباب والعلم مع التوكل على الله، وذلك من خلال قصة أحد الوافدين وناقته عندما نصحه الرسول بإحكام وثاقها ثم يتوكل على الله، حتى لا تهيم على وجهها في الصحراء، وهو عكس مفهوم التواكل الذي يدعو إلى ترك الناقة حرة طليقة بدون وثاق، فلا يجدها عند عودته فيأكله الندم ويتجرع الحسرة، لذا فالتوكل يحث على العمل واتقانه مصداقاً لقول الله تعالى: 《فإذا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون》فالعمل شرط الفلاح، والتوفيق في العمل ثمرة التوكل على الله كقول الله عزَّ وجل: 《فإذا عزمت فتوكَّل على الله إن الله يحب المتوكلين》 وكما يقال 《العبد في التفكير والرب في التدبير》.

أما التواكل، فيركن إلى الاعتماد الكلي على الله والأخرين، بالكسل والتكاسل والقعود، وعدم القيام بالأعمال بأي وجه من الوجوه مثل “تنابلة السلطان” وكما يقال في الأمثال: 《أكل ومرعى وقلة صنعة》وكذلك تحدث القرآن عن اليهود: 《قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون》.

نستحضر كذلك، فرقاً من الفروق والذي يبرز من خلال الاختلاف بين التصرف الجاد لإيجاد الحلول للمشكلات والمعضلات، بالسعي الدؤوب  وراء الأفكار الإبداعية والبحوث العلمية والتقدم في كافة المجالات، وبين التصرف البليد بالاعتماد على التفكير الضحل والأوهام الخزعبلية، وتصوير الأمور بمنظور سطحي ساذج لا يرقى إلى مستوى الحدث، أو الاكتفاء بانتظار الحلول لهذه المشكلات من تلقاء ذاتها دون أي عناء أو مجهود يذكر، تشبيهاً بالذي ظل في القطار المنطلق بدون سائق وبلا فرامل، ولا يحاول القفز ولا النجاة بأي طريقة ممكنة، ويبقى هكذا مبتسماً متفائلاً تفاؤل البليد، وموقناً بنزوله في المحطة القادمة، لذلك يعتبر التفاؤل الخادع أشد خطراً من التشاؤم، لأن المتشائم قد يقفز من القطار رغم اعتقاده بموته لا محالة، ولا ينتظر الموت في القطار.

إذن، بعد أن تعرضنا للمفهوم الشامل لكلمة “التفاؤل الحق” سوف نستعرض في الحلقة القادمة بإذن الله، الفوائد الصحية للتفاؤل الحق وأثره الطيب في النفوس.

تابعونــــــــــــــــــــــــــــا 

اقرأ للكاتبة 

عبير نافع تكتب : التفاؤل نبض وعصب الحياة (2)

شكرا للتعليق على الموضوع