عبير نافع تكتب: سر السعادة

جوهر الجمال في سر السعادة

بداية، قبل أن نشرع في التفكير والبحث والتقصي عن أسباب سر السعادة، يجب أن نعي جيداً، أن الدنيا ليست جنة، بل أنها ليست دار مقام، وإنما هي دار اختبار، حيث يأتي الاختبار في صور متعددة، وذلك من خلال تعرضنا للابتلاءات والمحن والأمراض وفقدان الأحبة وأقرب الناس إلى قلوبنا، فنتدبر ذلك في قول الله تعالى:” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) سورة البلد.

هلُمَّ بنا، لكي نسعى إلى اكتشاف سر السعادة، مع التساؤل الذي يتردد في أذهاننا ويشغل بالنا، عن ما الذي يجلب لنا السعادة في بعض الأحيان، مهما اكتظت حياتنا بالمشاكل والصعاب، أو حتى عندما تداهمنا الأمراض في بعض الأوقات؟ أليس ذلك أمراً عجبا؟! وما السر في ذلك؟

إذن، دعونا نتوقف قليلاً للحظات، في محاولة تذكر وفهم واستيعاب كل التفاصيل الصغيرة التي مرت في حياتنا، حتى نصل إلى أمر حتمي، ألا وهو المعنى الحقيقي لوصف الله تعالى بإنه لطيف خبير.

يأبى الله، بما لا يدع مجالاً للشك، أن يجعل الدنيا بكل لحظة فيها، مشقة وتعب وكدر، بل تتخللها لحظات فرج وفرحة وراحة، وكما قال في كتابه العزيز:” فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا “(٥ – ٦ ) سورة الشرح، وقد تكررت مرتين توكيداً لفظياً.

برهاناً على ذلك، نبصر بعين الحقيقة، بأن الله لا يريد أن يعذبنا طول فترة الابتلاء، ولا حتى على مدى الحياة بِرُمَّتها، وإنما يداعبنا بلطفه في ثنايا الابتلاءات، من خلال تلك اللحظات المنعشة لأرواحنا المنهكة من أجل مداواتها، فنتشجع لاستكمال تحَمُّل المشَقَّة حتى يزول الابتلاء، فنكسب ثوابه بعد عناء طويل.

كذلك، من رحمة الله علينا، عدم الاكتفاء بإرجاء الثواب على كل اختبار للآخرة، وإنما يكافئنا ببعض الثواب لنتمتع به في الدنيا، بل إنه حتى يذهلنا بلطفه عدة مرات، ويمنن علينا به أثناء كل محنة أو ضائقة، وبعد زوالها أيضاً.

وهذا بدوره، ينقلنا إلى المضي قدماً، بغية سبر أغوار لطف الله الخفي، والذي قد تتجلى بعض مظاهره، على سبيل المثال لا الحصر، في ابتسامة طفل يطل علينا من حيث لا ندري فتخطف ابتسامته القلوب، أو حتى عند تصرفه بعفوية مضحكة فيرغم قلوبنا البائسة على الضحك، أو لحظة مرور نسمة هواء عليلة صدفة، فتلامس وجوهنا وتنعش قلوبنا، أو زيارة صديق المفاجئة، حاملاً معه قطعة شوكولاتة فاخرة أو قطة صغيرة نستمتع بصحبتها، فتخفف عنا ثقل هموم الحياة، وهلُمَّ جرا.

ومما سبق، نستشعر معية الله في كثير من ألطافه الخفية، والتي قد تستغرق أياماً أو ساعات أو حتى دقائق، وقد تتكرر يومياً، ولكنها تترك في النفس أثر عظيم.

عندئذ، يتضح لنا، بأن القصد هنا، ليس في تلك الأشياء ذاتها في لطف الله الخفي، وإنما في المغزى العميق لتلك اللحظات التي قد تزهق أرواحنا المعذبة، فيباغتنا الله بلطفه وبأكثر الأشياء التي تغمرنا بالسعادة، في اوج هذه اللحظة المميتة، فتمنح لأرواحنا قبلة الحياة، حتى تستعيد توازنها وعزيمتها القوية بعد ما أصابها الخور والوهن.

علاوة على ذلك، لا يكتفي الله بهذه الألطاف الخفية فقط، بل يدهشنا بجوائز السماء، بعد انتهاء المحنة والابتلاء، وبما يقر أعيننا من أمنيات وأحلام، قد طال أمدها، بعد أن كنا على وشك فقدان الأمل والحماس في الحصول عليها.

حينئذ، يزداد يقيننا، بأن العبرة في تحقيق أحلامنا تكمن في ذاك التوقيت الذي نستشعر فيه اللذة الحقيقية لبلوغ هذه الأحلام، كنتيجة لاجتيازنا اختبارات الحياة، والتي لاقينا فيها أشد المعاناة ضراوة، فتصير الجائزة جبر عظيم بعد صبر مديد، لا مجرد طلب ينفذ على الفور.

وفي النهاية، نكشف النقاب عن جوهر الجمال في سر السعادة، وهي تلك اللحظات، والمقصود بها لطف الله الخفي المنقذ المبهر، والذي يسري في عروقنا دائماً وابداً، لينطلق مغيثاً، عند كل لحظة حرجة كادت أن تفتك بنا من عسرها. أما جوائز السماء، والتي تعد قليلة، فهي الفرحة الممزوجة بالرضا، والتي تعقب اللحظات الأخيرة المعلنة عن انتهاء الشقاء والبلاء مصداقاً لقول الله جل جلاله: ” وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5) سورة الضحى.”

اقرأ للكاتبة

عبير نافع تكتب: ذكرى المولد النبوي‎

شكرا للتعليق على الموضوع