زياد دكاش يكتب: زمن كورونا “البشريّة في خلوة قسريّة”

في الماضي، كان مفهوم الخلوة مع النفس مقتصرًا على الرياضات الروحية أو ممارسة الفنون. ثمّ ما لبث أن توسّع المفهوم ليشمل أوقات التأمّل والانفراد مع النفس… لكن من كان دومًا في سباق مع الواجبات والمسؤوليات، لا يعتبر نفسه معنيًّا بتلك الخلوات… قد يعتبرها البعض مشروع استجمام يؤجَّل عامًا بعد عام، أو مشروع تقاعد لا يتناسب مع متطلّبات الحياة الحاليّة… إلى أن شاءت الظروف أن يدخل كلّ شخص، مهما علا شأنه أو اختلف اختصاصه، في خلوة ’قسرية‘ مع نفسه ومع عائلته… ليختبر شيئًا لم يعهده من قبل… نعم، لقد دخلت البشرية جمعاء في خلوة ’قسرية‘، لمواجهة وباء! 

خلوة العام ٢٠٢٠ أدخلت البشر في تجربة قاسية في بداية عصر الدلو – عصر النور والمعرفة… والخروج من نفق هذه التجربة الشاملة، لا يتطلّب رفضها أو الانفعال تجاه نتائجها، بل التفاعل بما تقدّمه من أبعاد جديدة، عسى أن يكون ذلك مفتاحًا لحرّيّة داخليّة وراحة نفسيّة…

حالة الانفراد مع النفس هذه ليست عزلة، بل ’عازلًا‘ مؤقّتًا للضوضاء الخارجية، ’ليلتقي‘ المرء بنفسه ويحقّق التفاعل الداخلي… وقد وجدتُ خلال قراءاتي في هذه الخلوة أنّ كتاب الإيزوتيريك “تعرّف إلى نفسك وإلى ذاتك” بقلم د. جوزيف مجدلاني (ج ب م)، يتعمّق في هذا الموضوع في ص ٢٠٢: “عَبر خلوتي ألتقي بنفسي، وعبر شخصيّتي ألتقي بالآخر، وعَبْر نقل حال تفاعل الخلوة إلى تفاصيل التطبيق العملي تتحقق اللحمة بينهما… فاللحمة هي مساحة التقاء النفس بالشخصيّة، حيث يتكثف الزخم ليخرج تعبيرًا إنسانيًّا، قياديًّا وشفّافًا في آن…”.

منهج علم الإيزوتيريك يدعو المرء إلى التوقّف بين الحين والآخر، لتهمس الحياة في وعيه كلمات لا يستطيع أن يسمعها في صخب الأحداث ونداء الواجبات المُلحّة… من هذا المنطلق، يمكن للمرء الاستفادة من خلوة الحجر الصحّي ليقرأ في ما خفيَ بين ’سطور‘ الأحداث، فيقيّم ما غاب عن مداركه… وقد تشكّل هذه المرحلة تعزيزًا للابتكارات، ولأساليب جديدة للعمل (المهني) من المنزل… كما أنّها تشكّل حافزًا للعلماء للبحث في ما وراء المادة، في الباطن، بعد أن لمسوا مجدّدًا محدوديّة التكنولوجيا المادية في معالجة الأمراض والأوبئة!

قد يتساءل البعض كيف تَوَفّر (الآن) كلّ هذا الوقت للانفراد مع النفس والتفاعل مع العائلة، وهل كان مُتاحًا أصلًا وراء وهم ضيق الوقت؟! ناهيكم أنّه مع توفّر الوقت، بات البعض يشكو من الملل، خاصةً أولئك الذين يقتصر مفهومهم لما يجري على الأحداث الخارجية… بدلًا من أن يستمدّوا الراحة من تفاعل وعيهم في كلّ عمل، فينتفي الملل من حياتهم! فهل رأيت يومًا عاشقين يشعران بثقل الوقت والملل في لقائهما على خلوة؟!

وأختم بأجمل ما قرأت حول هذا الموضوع: “حين تشعر بالملل يكون الوقت سيّدك، وأنت عبده. لكن حين تتحيّن الفرص لتملأ كل فراغ، عندئذٍ تكون أنت السيّد وهو العبد!… حتى لو حكمتَ العالم لن تستطيع أن تكون سعيدًا إن كنت عبدًا للوقت أو للأشياء المادية! عندما تقدّر قيمة الوقت، يعطيك الوقت بقدر ما تعطيه”. من كتاب الإيزوتيريك “هكذا تعرّفتُ إلى درب المجد” بقلم د. جوزيف مجدلاني (ج ب م).

اقرأ للكاتب

زياد دكاش يكتب : اعتراف مهندس اتصالات

شكرا للتعليق على الموضوع