ريم ياسر تكتب: عروس اللغات

تُخفي فيها أسرارًا، ويمكث بين حروفها الخير والشر معًا، وتتقاسم الشقوة والسعادة معانيها، لديها القدرة على التلاعب بعقلك وقلبك في آن واحد، ف بكلمة واحدة ترسي بك على وسائد ناعمة حيكت بخيوط الأمل وطُرزت بلؤلؤ من الفرح والسرور، وبكلمة أخرى تُطيح بك إلى جبال مظلمة، شُيد ليلها من خليط مزدوج تقاسمه الحزن واليأس، هي الكلمات الموقوتة والنجوى المكتوبة، هي إرثنا وعزناـ هويتنا الذي إذا ضاعت، ضعنا.

يحل اليوم عيدها كي يذكرنا بأهميتها، هي لغة الضاد أو اللغة العربية، وعاء الفكر والثقافة، بحرها فلسفي واسع لا حدود له، وفنونها قصيدة تتغنى بها شتى بقاع الأرض.

صوبت تجاهها الاتهامات من كل حدب وصوب، اُتهمت افتراء تارةً بالصعوبة والتعقيد وتارةً أخرى بالتقصير والعجز عن مسايرة العصر، ولا أدري كيف تكون للغتنا أن تكون صعبة أو معقدة وقد أتقنها القادمون إلى بلادنا من الشرق والغرب في أشهر قليلة؟ وكيف تكون لغتنا عاجزة عن استيعاب العلوم والمعارف الحديثة وهي قد استوعبت من قبل طب ابن سينا والرازي ورياضيات الخوارزمي ونظريات ابن حيان وابن الهيثم وفلسفة الفارابي وابن رشد؟

ولأن فيها هويتنا حاول المستعمر منذ قديم الأزل في اقتلاع اللسان العربي وتجريده من جذوره، ولكن لغتنا العربية تنهض واقفة هازمة كل جرح اصابها، وكلما تطلعوا إلى فصلنا عنها كي تتأتى أجيال جديدة بلا ماضٍ أو حاضر أو مستقبل، كلما حاربنا نحن للإبقاء عليها.

وكما تحدث عنها أديب الأدب العربي، النابغة طه حسين فقال، لغتنا العربية يسر لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ونحافظ عليها بقدر ما نستطيع هو حقًا ما نحتاج إليه في العصر الحديث.

علموا أولادكم بأن في اللغة العربية فخرًا، وفي الحفاظ عليها شرفًا، تحدثوا بألسنة عربية ولا تثقلوها ب كلمات أجنبية دخيلة أو أسلوب ركيك.

فاللغة العربية ليست مجرد لغة، بل حكاية أمة يتغنى بها الشعراء، وقصة ترثها الأجيال، هي رجاء بين الشطرين وأيقونة وصل الأرض بالسماء، كاشفة للبصيرة ومرآة للحقيقة.

لقد وقعت في حب الكتابة بها وعشقت فن السرد بأنواعه المختلفة بسببها، ظننت أنه بإمكاني عن طريقها إبراز الأشياء على نحو مميز ومنظور يجسدها، دون زيف أو رتوش، يقربنا نحو الحقيقة ويساعدنا على استيعابها.

ودومًا ما أرى قلمي كالعصا السحرية، التي في مقدورها ترجمة الأشياء من حولي إلى الأفضل، بل ويضفي لمعة متلألئة على الأرجاء.

 وفي اليوم العالمي لها، أود لو أنها تسمعني الآن أو أنها تراني بينما أسطر تلك الكلمات بأحرفها الذهبية، كي أقول لها شكرًا لكل ما قدمتيه لنا من بحور العلم والمعرفة، وكذلك كي أعتذر نيابة عن كل من اهانها يومًا، فاستغنى عن فُصحتها وأبدلها بالعامية، ففسدها.

إلى لغة ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، إلى عروس اللغات وزينتهم، دمتي لنا عزًا وفخرًا.

اقرأ للكاتبة

ريم ياسر تكتب: الحَلبة لا تَطيب للجُبناء

شكرا للتعليق على الموضوع