ريم ياسر تكتب: حرب تحلم بنهاية
تُرى ما الذي تطرق إلى ذهنك عزيزي القارئ عندما قرأت هذا العنوان؟ ماذا تعني لك كلمة حرب؟ وإلى أي حرب تشير؟ هل هي حربك التي تخوضها مع نفسك كل يوم من أجل البقاء؟ أم هي الحرب داخلك بين الخير والشر، بين الوفاء إلى مبادئك الطيبة وبين خيانتها وتقبل أشياء حولك ليست من طبعك أو شيمتك ؟؟ أم هي حرب البلدان والأراضي المسلوبة التي تأتيك على شاشات التلفاز وتقرأ عنها في الصحف؟ هل من الممكن أن تكون حرب العقول والتكنولوجيا؟ هل هي حرب الإنسان أم حرب على الإنسان؟
في الحقيقة هي جميعهم في آن واحد، هي حرب اخترقت الإنسان، فدمرت النفوس والعقول، تبدلت فيها المفاهيم، وزعزعت فيها الثوابت، هي حرب لا منطقية، استوطنت بعض بقاع الأرض، فيها جُرد الإنسان من كرامته وفيها بيع في أسواق النخاسة، واستخدم فيها كعروسة متحركة، ترقص على نغمات القتل والتدمير، فيها تلاشت الجغرافيا، ورسمت حدود جديدة، كي ينصهر التاريخ وتندثر الحضارات، هي حرب لا تنطفئ أبدًا، وكأن ليس لها بداية أو نهاية، جميعنا نمسك بأطرافها المختلفة، ونمتلك أدوارًا في تلك الحرب التي تحلم بنهاية.
بات العالم كبيرًا جدًا بماسيه اليومية، سنوات طويلة والإنسان يخوض حروبًا كثيرة، ف منا من يخوض حروب ونزاعات على أحقية الأرض، وفي مكان أخر تجد الحرب من أجل الهوية التي تُصارع التحريف والتزييف، وهناك في بقعة أخرى من الأرض تنشب حروب طائفية وثانية عرقية وأخرى أهلية، وما دون هذا وذاك يحارب من أجل البقاء أو أنه يخوض حربًا مستمرة ويومية مع ذاته، أفكاره وأحلامه، أو أنه يحارب خوفه وقلقه، يصارع من أجل التحرر من قيودهم، لن تجد إنسانًا لا يحارب، ولكن السؤل هنا متى ستنتهي تلك الحروب؟ وهل هي مؤامرة شيطانية على الإنسان كي تُستهلك طاقته ولا يفيق إلا على خراب قد طال كل شيء ؟
لكن دعونا نُصيغ السؤال السابق بطريقة أخرى؟ كيف كان سيكون حال الإنسان والبلدان دون تلك الحروب؟ ببساطة شديدة في تقدم وتطور، تعمير وازدهار في شتي المجالات، بالضبط كما هو الحال في البقاع التي تخلو من النزاعات والحروب، فيها لا تُحارب أحلامه بل يسعى وراءها يلاحقها، والغريب أن كثيرًا ما يبدو الأمر وكأن هناك مجموعة ما تسيطر على سيناريوهات تلك الحروب، تتلاعب بها كيفما تشاء، تشعل الوضع هناك بسكب مزيد من البنزين، وتهدأ من لهيبه في مناطق أخرى ببعض قطرات التراب المتناثرة، وتزرع الخوف في بقعة أخرى بينما تُسمم الأفكار في مكان مختلف، ويستمر الأمر ولا تنطفئ النيران أبدًا، وما يزيد تلك الحروب بشاعة، هو أنه مازال هناك من يعتقد أن تلك الصراعات طبيعية أو منطقية، مازال هناك من يرى العالم عبر عدسة ضيقة وضئيلة، تحجب شتى الجوانب عنه ولا تُريه سوى النقطة التي أمامه، يتمسك بتلك العدسة رغم أنه إن تخلى عنها وازاحها سيرى العالم عن قرب وستوضح رؤياه وستتجلى الحقيقة بين يديه!
تنشب حرب جديدة كل ثانية، وتتكاثر سلاسل النزاعات دون توقف، تحاوطنا نيران الحروب المختلفة من كل اتجاه، نشعر بلهيبها المتطاير، لكن على المرء أن يقف أمام نفسه ويتخلى عن دوره التخريبي في تلك الحرب، بل ويدرك حربه الحقيقة مع من يشعلون تلك الحروب، عليه أن يدرك بأن هناك من يريده ماكثًا في خراب معنوي ومادي أبدي، عليه أن يكف عن التشكيك في وجود مؤسسات شيطانية حلمها تغير العالم إلى دولة واحدة ذات دين واحد، مهمتها القضاء على الحضارات والأديان، وهدفها تحويل الإنسان لقطعة بلاستيكية لا تكترث لشيء سوى ما تعلمه أياه، عليه أن يدرك أن تلك الحروب لم تخلق له بل خُلقت للقضاء عليه وعلى ما يمتلكه من هوية، وكذلك عليه أن ينحاز إلى الفريق الذي يتشبث بالتاريخ وبالمستقبل، فيعمر حاضره ويبني مستقبله، عليه ألا ينساق وراء نيران غضبه لأنها حتمًا ستؤدي به إلى إشعال حرب أخرى.
يومًا ما سيعم السلام شتى البقاع المحترقة، سيغمر قلوبنا المتألمة وعقولنا التي أهلكها التفكير، وستُخمد الحرائق في كل أرض سُلبت وسيشق الزرع الأخضر طريقه بين رماد الحروب المختلفة التي نُشبت، ستنتصر ضفاف الصدق والحق والخير، وسينعم الإنسان بالسلم والراحة من كل ما يخيفه أو يزعجه، وستجد حروبنا نهايتها التي طالما حلمت بها رغمًا عن أنف كل من يسعون لبقائها حية ومستمرة.
اقرأ للكاتبة