قصة الأغنية التي أغضبتْ أم كلثوم: “يا ناسيني”
كلمات: مأمون الشناوي
ألحان: رياض السنباطي
غناء: شهرزاد
أمُّ كلثوم أتمّتْ موسمها الغنائى لعام ٥٤ بنجاح، حيث غنّت على مسرح حديقة الأزبكية أغنيات:(يا ظالمنى، سهران لوحدى، ذكريات، جدّدت حبك ليه)
وقد تسبّبت الأغنيتان الأخيرتان فى خلاف فنى بين أم كلثوم ورياض السنباطي، لأن أم كلثوم تدخّلتْ في تغيير بعض الجمل اللحنية، وهذا ما كان يرفضه السنباطي بمنطق الكبرياء الموسيقي فابتعد السنباطي عن الست، وقال لها: “هجرتك”
فماذا ستصنع أم كلثوم وقد وقعت الخصومة الفنية مع السنباطى، وباتت بلا ملحن بعد غياب زكريا والقصبجي؟
فقد وصلت القطيعة مع زكريا أحمد إلى ساحات المحاكم بسبب الخلاف حول الحقوق المالية فى أغانى الحفلات منذ أواخر الأربعينيات،
أما محمد القصبجى فقد قنع بمقعده عازفًا للعود خلف الست، طاويا صفحة التعاون الفنى معها منذ عام ١٩٤١ عندما شدت برائعة “رق الحبيب”
وقفت أم كلثوم حائرة ولسان حالها يقول:
“أروح لمين”
لم يكن أمام أم كلثوم سوى أن تتغنّى بما لديها من أرشيفها الذهبى، أما السنباطي فكان عليه أن يتعاون مع مطربات أخريات وقد عقد العزم على البعد وعدم العودة إلى أم كلثوم
(أنا لن أعود إليك)
عثر السنباطي على ضالته فى صوت المطربة “شهرزاد” بما يتمتع به صوتُها من قوة وجمال وطبقات عريضة قادرة على أداء المقامات والتنقل بينها بسهولة
لقد أراد السنباطي أن يدفع أم كلثوم دفعا للمصالحة، من خلال إشعال نار (الغيرة الفنية)، فكانت أغنية
(يا ناسيني) لشهرزاد.
وكان الشاعر مأمون الشناوي قد كتب كلمات هذه الأغنية لتغنيها أم كلثوم، لكن القطيعة جعلتها حبيسة أدراج السنباطي، حتى قرر منحها أخيرا لشهرزاد.
وقد وضع لها مقدمة موسيقية طويلة
وكان يجلس مع الفرقة الموسيقية لتسجيل الأغنية، ويقود الفرقة بنفسه، ولم يقفْ السنباطي عند هذا الحد، بل عزف صولوهات العود بنفسه
“علي عودي”
فاكتملت رائعة (يا ناسيني) بلحنٍ وعزفٍ سنباطىِّ الطراز يمتزج بقوة الكبرياء والتحدي، ومرارة الخصام مع أم كلثوم، وليعلن ميلاد مطربة أخرى من العيار الثقيل اسمها “شهرزاد”
على الجانب الآخر فقد اعتذرتْ أم كلثوم عن موعد حفلتها الشهرية، وليس أمام الإذاعة سوى بث بعض من أغانيها القديمة المسجلة على الجماهير التى تنتظرها من المحيط إلى الخليج،
وبينما كانت أم كلثوم تستمع إلى حفلاتها مثل الجماهير، حدث أمر غريب أدهشهها وأدهش المستمعين عبر الأثير، لقد تم إذاعة أغنية “يا ناسيني” بين أغانى أم كلثوم، حتى إن البعض توهّموا أنها أغنية جديدة لأم كلثوم.
لقد استمعتْ أمُّ كلثوم إلى الأغنية حتى النهاية، ميّزت عود السنباطي ولمساتِه، وأطربتْها المقدمةُ الموسيقية الطويلة فأشعلتْ غيرتَها على أغنية كان من المفروض أن تكون لها… ولكن “يا حبيبي كل شيء بقضاء”
ولم تستطع أم كلثوم الانتظار، نسيت القطيعة أو تناستها، أمسكتْ بالتليفون واتّصلتْ بالسنباطي، استفسرتْ عن تلك العظمة اللحنية، وعن مشاركتها الموسيقية التى لم يفعلها مع الست منذ أن غنّت له أول ألحانه (على بلد المحبوب) عام ١٩٣٧
وانتهى الاتصال العاصف بالمعاتبة بين سيدة الغناء وسلطان القصائد المغناة وتم التّصالح
(غلبت أصالح في روحي)
وبعدها بفترة قليلة التقتْ أم كلثوم بشهرزاد فى حفل زفاف نجل عازف القانون الشهير محمد عبده صالح، وطلبتْ منها أن تستمع إلى أغنية “يا ناسيني” وسط تردّد وخوف شهرزاد، فكيف لها أن تغنّى أمام أم كلثوم؟!
وغنّت شهرزاد غناءً لم تُغنِّهِ من قبل وكلما انتهتْ من مقطع طلبتْ منها أم كلثوم الإعادة وعاشتْ أم كلثوم مع صوت شهرزاد ليلة طربية ساحرة كتلك التي نعيشُها نحن مع أم كلثوم
فسبحان من جعل للجمال أشكالا وألوانا شتّى
“طوف وشوف”
وكانت أغنية “يا ناسيني” سببًا فى الصلح بين أم كلثوم والسنباطي، ليُواصلا الإبداع سويًا ويعود النهر الكلثومي لتدفقه… تدفعُهُ موجاتٌ سنباطية لا نظير لها في عالم الموسيقى العربية
وعاد السنباطي إلى أم كلثوم واستمر معها حتى آخر العمر، ولم يلتفتْ إلى أيّ صوتٍ آخر
فنظرت له شهرزاد وقالت: “يا ناسيني”
اقرأ ايضاً
اليَومَ عِيدْ … “شعر” علي عمران