محرقة اسرائيل الكبرى
عند المؤرخين التاريخ يعيد نفسه، بينما لا يرى السياسيون ذلك، ويبقى الاحتكام إلى الأحداث الجارية هو الفيصل وهو الحكم
تقرير: صبحة بغورة -الجزائر
تقوم اسرائيل في قطاع غزة منذ عدة أيام بعمليات عسكرية شديدة العنف في حق مواطنين مدنيين أبرياء عزل ، عمليات انتقامية أصابت شعوب العالم بالفزعة وهي تلامس في قوتها و وحشيتها جرائم الحرب النازية خلال الحرب العالمية الثانية التي اكتوى بنارها اليهود أنفسهم ، إنهم يعرفونها وهي تعرفهم ، فهم يمارسون أقسى طرق الإبادة الجماعية على نحو يشابه نفس ما أقدمت عليه النازية ضدهم ، والاختلاف يكمن في أن النظام ألألماني الهتلري أرادت التطهر من نجس اليهود في بلاده ، بينما الدخلاء المحتلين من عصابات الإجرام الصهاينة تريد التخلص من كل شرائح أبناء فلسطين بالتصفية الجسدية أو بطردهم جميعا من بلدهم، لا فرق هنا بين طفل وشاب وشيخ ، لا فرق بين الرجال والنساء ، ولا رحمة بالحوامل ولا تقدير للمسنات أو شفقة بالمريضات ، لا فرق بين مخابئ المجاهدين وملاجئهم وبين المنازل والمدارس والمستشفيات ..
في كل مرة تعيد سيناريوهات الحرب في غزة ذكريات أليمة تزخر بها دفاتر الصراع المسلح العربي ـ الاسرائيلي ، صراع طويل ومرير تطورت قساوته مع تطور عالم صناعة الأسلحة الفتاكة وكافة أنواع المتفجرات شديدة التدمير ،وتعكس طبيعة القساوة العمياء للاعتداءات الصهيونية وجود أحقاد داخلية دفينة يراد التنفيس بها عن وطأة الخيبات كلما ضاقت بها الصدور ، ومحو الآثار السلبية العميقة كلما غلب العار شرور النفس وطارد الفشل غياب العقل وقهر الذل خساسة الروح ، ويبقى الشعب الفلسطيني والعربي يدفع ببطولته الثمن الغالي من أبنائه ومقدراته.
تمارس عصابات الصهاينة أساليب قمعية بدرجات تتجاوز كثيرا مجرد رد الفعل الذي يزعمون أنه ذات طابع عقابي ـ ردعي، كلا، ليس تهديم منازل الآمنين بالقنابل عقابا بل إرهاب دولة، وليس ضرب المدارس وقتل الأطفال عقابا بل جريمة إنسانية نكراء، وليس قصف المؤسسات المدنية والمساجد والمستشفيات عقابا بل جريمة شنعاء، الحرب على غزة جريمة حرب مكتملة الأركان يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني. عندما تندلع الحرائق دون مبرر في كل مكان، وينتشر القتل والتقتيل والانسحاب المفاجئ للمصابين والمعوقين من الحياة دون تمييز في جميع الأرجاء نصبح أمام حالة جريمة هستيرية ثلاثية الأبعاد للصهيونية، والحقيقة أنه سلوك ليس غريبا على اليهود قتلة الأنبياء والرسل.
ضغط حكم التاريخ يسيطر على طبيعة سلوك الصهاينة، إنهم يدفعون أهالي غزة دفعا ليتركوا أرضهم وممتلكاتهم وراءهم ويغادروا وطنهم إلى أراض دول أخرى مجاورة لا حق لهم فيها وذلك على نحو يشابه تماما ما تعرض له بنو اسرائيل بعد مطاردة الفراعنة لهم حتى مكّن الله تعالي لنبيه موسى عليه السلام شق البحر والنجاة بالهروب إلى صحراء سيناء. إنهم يحرقون البشر والحجر ويزيلون عائلات بأكملها من سجلات الحالة المدنية قتلا على نحو شابه تماما المحرقة التي تعرض لها يهود العالم من النظام النازي، والفرق أن تصفية اليهود كانت مقتصرة على جنسهم، بينما تصفية الفلسطينيين يراد أن تستهدف محو جنسهم وسلب حقهم في الحياة و وحرمان أبنائهم من الحق في العيش والوجود على أرضهم وأرض أجدادهم. إن التهجير الجبري لسكان قطاع غزة يمثل خطرا كبيرا لأنه يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
كتب الله عز وجل على بنو اسرائيل الذلة والمسكنة، فهم ليسوا مقبولين حتى في المجتمعات الأوروبية والأمريكية، باستثناء قلة من السياسيين يتخذون من وجود اسرائيل أداة في قلب الوطن العربي لتعكير نعمة السلام والاستقرار، والمتتبع لسيناريوهات الأفلام الغربية يقف على حقيقة ذلك من خلال أقبح الأوصاف في الحوار الموجه لهم ليكون صباحهم دائما بلا ضوء.
اسرائيل تريد كسب مكانة دولية أكبر واعتبار عالمي أرقى ونيل اعتراف دولي بها واسع كقوة إقليمية مؤثرة سياسيا وأمنيا موثوق بها عالميا، وترى أن ذلك لا يمكن أن يتحقق لها بعد تقاسم أرض فلسطين وفق حل الدولتين، فالخريطة المرسومة لا تمثل معني السيادة الكاملة على الإقليم لأي من الجانبين الفلسطيني أو الاسرائيلي، بل وحتى يصعب تحفيظ رسم خريطة أي من الدولتين لتلاميذ المدارس صغارا وكبارا.
قد تكون اسرائيل قد نجحت في تشكيل قواعد اقتصاد قوي لكيانها المصطنع يقوم على العلم والتكنولوجيا والمعرفة والتواجد النشط في الكثير من الهيئات العلمية والتكنولوجية العالمية ولكن هذا لا يحقق لها كل ما تتطلع إليه من التفرد والتميز في محيطها العربي بسبب سياستها التوسعية القائمة على اغتصاب أراضي بعض الدول المجاورة على أساس إرهاب الدولة وجرائم أجهزتها .
وتماما مثلما لم يخضع فرعون لدعوة ربه على لسان موسى وأخيه هارون للتراجع عن طغيانه واستباحة دماء اليهود وأعراض نسائهم، ومثلما لم يتوقف زعيم النازية أدولف هتلر عن مطاردة اليهود ووقف التنكيل الشامل بهم ، فهكذا يريد الصهاينة تفريغ شحنة حنقهم من تاريخهم السيء ، والتنفيس عن مظلوميتهم باتباع مقولة : “وداوني بالتي كانت هي الداء..” وفي هذا يصمّون الآذان عن الدعوات الدولية لحقن الدماء، ويخادعون المجتمع الدولي بالأكاذيب والافتراءات، ويغالبون المنطق والشرائع والقانون، وللأسف يلقون من يقف إلى صفهم وهو يرى في غزة محرقة اسرائيل الكبرى .
اقرأ ايضاً