مصطفى جودة يكتب: الجبرتى والإبادة الجماعية «1ــ 4»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.

المقصود بالإبادة الجماعية جريمة ينتج عنها تحطيم كامل أو جزئى لدولة أو مجموعة عرقية تقوم بها دولة أخرى بقصد ونية وتخطيط لارتكابها أو تحرض لها أو تدفع الآخرين الى ارتكابها أو الضلوع والمشاركة لإنجازها.

هى جريمة يعاقب عليها القانون الدولى لأنها جريمة ضد الإنسانية متى ارتكبت على إطار واسع وممنهج موجه ضد أى مجموعة من السكان المدنيين وتتضمن القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسرى للسكان، وهى تستوجب العقاب بغض النظر عن ارتكابها فى وقت السلام أو الحرب. كانت الهولوكوست واحدة من تلك الجرائم ونتج عنها قتل 6 ملايين من اليهود وتم معاقبة الذين قاموا بتنفيذها من النازيين.

هى العملية التى وصفها النازيون الألمان بالحل النهائى للمسألة اليهودية. الغريب فى الأمر أن ضحايا الهولوكوست يفعلون فى الفلسطينيين ما فعله النازيون فيهم كما تشير كل الأدلة.

الاحتلال الإسرائيلى أوضح نيته المبيتة على ضرورة طرد سكان غزة مثلما أوضح وزير المالية الإسرائيلى الحالى الذى أدلى بتصريح أن إجلاء أهل غزة الى دول العالم هو أفضل حل للمنطقة.

ربما يكون وصف ناعوم تشومسكى هو الأمثل فى تشخيص أحداث غزة. يقول إن إسرائيل تستخدم كل الأسلحة الفتاكة من طائرات ودبابات وسفن لتضرب وتبيد مدينة مكتظة بالملاجئ والمدارس والأحياء السكنية الفقيرة والذين ليس لديهم دفاع جوى أو سفن حربية ولا أسلحة ثقيلة ولا مدافع ولا عربات مصفحة ولا مراكز قيادة ولا جيش نظامى، وبالتالى فهذه ليست حربا ولكنها عملية اغتيال وإبادة. أيضا بتاريخ 21 نوفمبر، استضاف الصحفى والكاتب أوين جونز البرفيسور الإسرائيلى راز سيجال الذى يعمل أستاذا بجامعة ستوكتون بولاية نيوجرسى الأمريكية وسأله أن يشخص العدوان الإسرائيلى على غزة، فأجاب الرجل إنها محرقة ودليل ذلك توافر كل عناصر المحرقة فيما تقوم به إسرائيل.

أولا هناك نية مسبقة معلنة من القادة الإسرائيليين وصناع القرار قبل شنها. هناك أيضا إصرار على إحداث دمار شامل. النية واضحة فى جميع وسائل الإعلام. هناك أيضا الدعوة الصريحة لتحطيم غزة وتخريبها ومحوها. كما أن هناك إستخدام لغة تنزع صفة الإنسانية من من الفلسطينيين وتدعو الى طردهم من غزة ورميهم فى الصحراء. على سبيل المثال ما قاله الرئيس الإسرائيلى إسحاق هيرتزوج الذى وصف كل الفلسطينيين بأنهم جميعا مسئولون عن عملية طوفان الأقصى وبالتالى لا بد من معاقبتهم، كما أن هناك تصريح رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو بأنه سيحطم غزة بالكامل وسيحيلها الى خرابة. كان هناك أيضا ما قاله وزير الدفاع يوآف جالانت بتاريخ 9 أكتوبر بأن إسرائيل ستقطع الماء والغذاء والكهرباء والوقود عن غزة وذلك لأن إسرائيل تحارب حيوانات بشرية.

 كان هناك أيضا ما قاله وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير إن الشىء الوحيد الذى يجب أن يدخل غزة حتى يتم إطلاق الرهائن هو مئات الأطنان من المتفجرات، كما طالب وزير التراث بضرورة إلقاء قنبلة نووية على غزة معتبرا أن المدنيين بها لا يختلفون عن المقاتلين. أما وزير المالية بتسلئيل سموتريش فقد طالب بضرورة إجلاء سكان غزة قسريا وأن ذلك هو الحل الإنسانى الصحيح. هو الأمر الذى رفضته مصر وردت عليه برد قاطع من رئيسها ووزير خارجيتها سامح شكرى فى 14 نوفمبر واتهم فيه إسرائيل بارتكاب جريمة حرب مكتملة الأركان ومخالفة صريحة للقانون الدولى وأن أى محاولة لتبرير وتشجيع تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة هى أمر مرفوض مصريا ودوليا جملة وتفصيلا. المفجع فى الأمر وصف الفلسطينيين بالنازيين وهو الوصف الذى استخدمه القادة الأوروبيون ومنهم المستشار الألمانى، وهو ما يعنى أن شن حرب الإبادة على هؤلاء الفلسطينيين حق ضرورى ومشروع لإسرائيل، وهو فعلا ما قامت به إسرائيل خلال شهرين تقريبا من عمليات قتل وتخريب للأراضى الزراعية وهدم للمبانى السكنية واستخدام للأسلحة الممنوعة والفوسفور الأبيض وإلقاء قنابل تزيد قوتها التفجيرية على ضعف القنبلة الذرية التى ألقيت على هيروشيما.

 يخلص البروفيسور راز سيجال أنه طبقا لميثاق الأمم المتحدة فإن تلك النية والعنصرية وطريقة شن الحرب تجعل ما تقوم به إسرائيل هو إبادة ومحرقة وليس حربا تقليدية طبقا للقانون الدولى. هى محرقة يقوم بها جيش نظامى مدجج بكل أنواع الأسلحة التى تنتجها الترسانات الغربية وترسلها له برا وجوا لتمنحه القدرة على القصف المستمر لمدينة تحت احتلاله محاصرة من كل الجهات من البر بالمدفعية الثقيلة والدبابات وبكل أنواع الصواريخ، ومن البحر من السفن والغواصات، ومن الجو بطائرات إف- 16 وإف-35، وتمده طائرات التجسس الأمريكية بأماكن المقاومة فوق الأرض وبمواقع الأنفاق، وهو الأمر الذى يجعلها طرفا مشاركا فى حرب الإبادة.

 تفعل ذلك إسرائيل وأكثر ضد خصم تصفه وتشخصه بأنه العدو الذى يحاربها وهو لا يملك غير أسلحة مصنعة يدويا وبعضها من بقايا الحرب العالمية الثانية، وتصف ذلك بالحرب وهى فى واقع الأمر محرقة لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل. يصفها هو وداعموه الغربيون بالحرب بين حماس وإسرائيل ويشجعونه بأن لديه كل الحق والمسئولية لتدمير ذلك العدو واجتثاثه من فوق الأرض وأنهم سيحمون ظهره ويدافعون عنه ضد من يحتج على عدوانه فى المؤسسات العالمية مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل المنتديات والوسائل الإعلامية وخلافهما، وسيناصرونه بالمال اللازم لإنهائه تلك المهمة ويقوون قلبه ويحثونه بكل الدعم النفسى والمعنوى وسيحمونه من أى ملاحقة قانونية الآن ومستقبلا. حتى وقتنا هذا لا تهتم إسرائيل بالقانون الدولى لأن الغرب يضعها فوق القانون، ولكن حتما سيأتى يوم يغير الله فيه ذلك.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: أكبر الخاسرين

شكرا للتعليق على الموضوع