مصطفي جودة يكتب: قلوب كالحجارة أو أشد قسوة

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.

كشفت حرب الإبادة التى تمارسها إسرائيل بمشاركة كاملة من الولايات المتحدة وبقية الدول الأوروبية ضد الفلسطينيين فى غزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية عن أنواع جديدة من القسوة كامنة فى الروح الغربية والروح الإسرائيلية. القسوة الإسرائيلية يمكن رصدها ونمذجتها من خلال ماقامت به الجرارات الإسرائيلية يوم الجمعة الماضية من عملية جرف قبور الشهداء بحى التفاح بغزة وإخراج الجثث بعد دفنها وتركها فى العراء، ومن كلمة وزير التراث الإسرائيلى التى تفوه بها فى نفس اليوم وطالب فيها إسرائيل بأن تبحث عن طرق تعذيب للفلسطينيين أكثر إيلاما من الموت.

والقسوة الألمانية يمكن فهمها من كلمة المستشار الألمانى فى أثناء زيارته إسرائيل يوم 17 أكتوبر ووصفه حماس بالنازيين الجدد، وهو يعلم أن أصل الكلمة ألمانى وقمة القسوة أن ينسب الى حماس وصفا شريرا ألمانيا خالصا. والقسوة الأمريكية تأتى من الإدارة الأمريكية شاملة الرئيس ووزراءه ومستشاريه، فهم على قلب رجل واحد فى توجهاتهم القاسية بتاريخ 25 ديسمبر 2023، أى بعد قرابة ثلاثة أشهر من ارتكاب إسرائيل لمجازر ومذابح لم يسبقها بها أحد من العالمين، نجد أنتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى يقول كيف لا نمارس ضغوطا على حماس المعتدية العنيفة ونمارس ضغوطا على إسرائيل الضحية؟.

سيكون أفضل لو أن هناك ضغوطا دولية تمارس على حماس، وبالتالى فإنه من الممكن أن ينتهى هذا الصراع غدا لو أن العالم مارس ضغوطات على حماس وألا تختفى خلف المدنيين وتلقى سلاحها، وهو الأمر الذى سيوقف الحرب فورا. لا تقتصر التصريحات والأعمال القاسية على أفراد الإدارة الأمريكية ولكن يشاركهم فى ذلك المرشحون للرئاسة الأمريكية لعام 2024، من الحزبين الجمهورى والديمقراطى الذين لا يهمهم غير الفوز فى الانتخابات وجمع التبرعات التى تمكنهم من ذلك الفوز. تشاركهم أيضا غالبية أعضاء مجلسى النواب والشيوخ ولا يوجد منهم إلا قلة تدين الجرائم والقسوة الإسرائيلية لأنهم يدينون لمجموعات الضغط الموالية لإسرائيل التى تدعم حملاتهم الانتخابية، وبالتالى يصير جميعهم عابدين مملوكين لتلك المجموعات ولا يقدرون على شىء مخالف لما تمليه عليهم تلك المجموعات. ولأن التعميم غير عادل فإنه توجد فئة قليلة تعدل دائما فى حكمها منهم السيناتور اليهودى بيرنى ساندرز.

1-4

هناك أيضا الشباب والجامعات الأمريكية بأساتذتها وطلابها الذين تفجعهم المسالك والقسوة الإسرائيلية.

لنتتبع مسالك وقسوة بيانات عضو مجلس الشيوخ لندسى جرام الذى لا يقل فى تشدده وتعصبه ضد حماس عن أعتى المسئولين الإسرائيليين المتطرفين. بتاريخ 12 أكتوبر فى مقابلة له مع قناة فوكس اليمينية والمتبنية للموقف الإسرائيلى بالكامل، صرح السيناتور بأنها حرب دينية وأنه يتعين على إسرائيل تسوية غزة بالأرض، وهو الأمر الذى اعتبره الكثيرون دعوة منه لإسرائيل لتقوم بحرب إبادة ضد الفلسطينيين فى غزة.

ورغم العديد من الانتقادات له إلا أنه تمسك بما قال وكرره بتاريخ 17 أكتوبر فى مقابلة صحفية له وقال: أنا أقف مع إسرائيل فى حربها وأطالبها بأن تفعل كل ما فى وسعها وأن تدمر غزة وتسويها بالتراب.

 وبتاريخ 22 أكتوبر خلال زيارته لإسرائيل مع عشرة آخرين من مجلس الشيوخ قال إنه يتهم إيران بالضلوع فى هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، وأن أى تصعيد فى الحرب الدائرة من قبلها فإنها ستدفع سعرا عاليا.

وبتاريخ اول نوفمبر 2023، فى مقابلة له فى شبكة «سى إن إن» ذكر أنه يتعين على الولايات المتحدة ألا تهتم بعدد الضحايا الفلسطينيين فى غزة الذين تقتلهم إسرائيل انتقاما لما حدث منهم فى 7 أكتوبر 2023 وأنه يلوم حماس بخصوص ما يحدث ولا يلوم إسرائيل إطلاقا.

وأضاف أنه يتعين على الولايات المتحدة مهاجمة إيران إذا ما تدخل حزب الله فى الحرب. بتاريخ 5 ديسمبر ذكر فى مقابلة تليفزيونية أن سبب وجود عدد كبير من الضحايا الفلسطينيين فى غزة مرده أن حماس تريدهم أن يموتوا، وأضاف لسائله إذا كنت تعرف طريقة لتقليل عدد القتلى فأخبرنى إياها وسأبلغ إسرائيل لتلتزم بتنفيذها.

 وأضاف لو أن حماس بقيت بعد تلك الحرب فإن هذا سيكون خطأ إستراتيجيا فادحا. حقيقة الأمر أن الدعوة لإسرائيل لتشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين لم تقتصر على سيناتور جرام ولكنها تشمل آخرين مثله وربما أشد قسوة، منهم المرشحة للرئاسة عن الحزب الجمهورية نيكى هيلى التى تخلط الأمور بفجاجة بقولها إن حماس غزت إسرائيل يوم 7 أكتوبر بكل وحشية وهو نفس عيد ميلاد بوتين، والآن نعلم أن المخابرات الروسية ساعدت فى ذلك الأمر، حدث كل ذلك لأن الولايات المتحدة والغرب أهملوا فيما يحدث فى أوكرانيا. من أجل ذلك فإن أسعد شخص فى العالم هو فلاديمير بوتين، والتى أضافت عندما سئلت فى المناظرة بين المرشحين الجمهوريين ماذا ستقولين لرئيس الوزراء الإسرائيلى لو كنت رئيسة لأمريكا فأجابت سأنصحه بالقضاء الكامل عليهم. يوجد أيضا السيناتور ماركو روبيو الذى طرح عليه سؤال وهو فى طريقه لمكتبه بمجلس الشيوخ عما يجرى فى غزة، فأجاب أنه لا توجد طريقة أن تعيش إسرائيل مع هؤلاء المتوحشين ولا بد من إبادتهم.

يشخص الرئيس الأسبق جيمى كارتر الأمر كله فى حديث له بقوله إن الأمريكيين لا يريدون معرفة ما يحدث، ولا يوجد عضو واحد فى الكونجرس يدعو الى السلام ويتحدث ضد إسرائيل نتيجة مصالح جماعات الضغط مثل اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة (إيباك)، وهى منظمة لا تدعو للسلام ولكن تدعو الى دعم إسرائيل فى كل أمر والتى شعارها الوقوف مع الذين يقفون مع إسرائيل.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: الحرب العالمية الرابعة

شكرا للتعليق على الموضوع