مصطفى جودة يكتب: الحرب العالمية الرابعة

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.

هي الأغرب فى التاريخ الإنسانى من حيث أن العالم كله يشاهد دقائق تفاصيل بشاعتها بالكامل على الهواء مباشرة. هي الأقسى فى التاريخ لأن كثيرا من الأسلحة الغربية التي تستخدم فيها موجهة بالأقمار الصناعية، وأن هذه الأسلحة لم تستخدم من قبل وأشد فتكا وأكثر تدميرا من كل أسلحة الحروب السابقة مجتمعة، وأنها نتاج تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة. هي الأعجب لأن طرفيها غير متكافئين، الأول فئة قليلة تقاتل من أجل البقاء والكرامة والشرف وحق الحياة محاصرة من كل الجهات ولا مخرج لها ولا خطوط إمداد لها ولا طعام عندها، وحتى الماء والدواء مقطوعان عنها، ولا أسلحة حديثة لها فكل ما تملكه من سلاح مصنوع فى ورشها البدائية. وطرفها الآخر مدجج بكل أنواع الأسلحة المدمرة وخطوط التموين المستمرة وجسور الأسلحة الفتاكة واستخدام أسلحة المخازن الأمريكية والمناصرة الدولية الجائرة.

هي حرب يقاتل فيها الغرب وإسرائيل كافة فصيلا من فلسطين المحتلة وحيدا إلا من رحمة الله. هي الحرب التي أظهرت للعالم نفاقا غير منظور وغير معروف فى أدبيات النفاق من قبل وهي الحرب التي عرت الغرب كله من أوراق التوت الواهية ومن شماعاته التي يظهرها خاصة لبقية العالم بشأن حقوق الإنسان وجرائم الإنسانية عندما يريد أن يتسلى ويصيبه الملل.

سبق تلك الحرب ثلاث حروب عالمية وكلها حروب غربية لا ناقة ولا جمل فيها لبقية العالم هي الحرب العالمية الأولى والثانية. أما الحرب العالمية الثالثة فهي بين الغرب الجديد الذى أصبح يشمل ألمانيا بكل مصادرها الجبارة ضمن جنوده، وبين روسيا التي يريد الغرب هزيمتها وتفكيكها مثلما فكك الاتحاد السوفيتي من قبل.

هي حرب متكافئة الى حد كبير، لأن روسيا قوة عظمى وتملك السلاح وتصنعه وتملك أقواتها وزيادة وعندها العلم والتكنولوجيا وكل مقومات البقاء ولها حلفاؤها، إضافة الى كونها أكبر قوة نووية فى العالم.

كانت بداية الحرب العالمية الرابعة عندما هاجمت حماس التي تقطن مدينة غزة المحاصرة وأظهرت نوعا من المقاومة القوية والمنظمة فى السابع من أكتوبر عام 2023. هاجت الدنيا وماجت لأن ضحايا الاحتلال الإسرائيلي كثيرون، وكانت غضبة الغرب مضريه، لأن معاييره ليست السن بالسن والنفس بالنفس كما تنص جميع الأديان والقوانين، ولأن قواعد حسابه لها قوانين خاصة تنص على أن الروح الإسرائيلية ثأرها مئات الأرواح العربية. إسرائيل صاحبة الجيش الذي يصنفه العالم بأنه الجيش الذى لا يقهر، والذى لم توقفه من قبل غير مصر، والتي كشفت للعالم ولفتت أنظار الدنيا أنه جيش قابل للهزيمة متى توافرت العزيمة، حتى ولو حاول الغرب كله التدخل لمصلحة إسرائيل وحمايتها ومدها بكل أسلحة ترساناته ومساندتها في مجلس الأمن وبقية المؤسسات العالمية التي لا تخدم غير المصالح الغربية فى كثير من الأمر.

منذ بداية حرب الإبادة على غزة المحاصرة طبقا لما نشرته صحيفتا لوس أنجلوس تايمز وول ستريت جورنال قامت أمريكا بإمداد إسرائيل بأكثر من عشرة آلاف طن من الأسلحة من خلال جسر جوى تشمل أحدث العربات المصفحة والمدافع الحديثة، بالإضافة إلى أجهزة تحديث للقبة الحديدية والأجهزة الوقائية. كما أمدتها بآلاف القنابل زنة 2000 رطل التي يمكنها اختراق الخرسانة المسلحة والوصول الى الأنفاق والمخابئ وتدميرها. أوروبا لم تقصر فى عدوا نيتها ومساهمتها فى حرب الإبادة طبقا لما نشره معهد إستكهولم الدولى للسلام، قامت بريطانيا بإرسال قطع الغيار وكثير من الأجزاء الضرورية اللازمة لطائرات إف- 35 والتي تستخدمها إسرائيل فى قصف غزة منذ اليوم الأول للصراع، إضافة الى الكثير من اللوازم الضرورية لسلاح الطيران الإسرائيلى. أما ألمانيا فترسل الكثير فى الخفاء مثلما قال المستشار الألمانى فى بداية الحرب أثناء لقائه أعضاء البرلمان الألمانى حيث صرح بأن ألمانيا تقوم بإمداد إسرائيل بشحنات من الأسلحة الضرورية، وأضاف أنه لا يوجد الآن غير جانب واحد تقف معه ألمانيا ألا وهو الجانب الإسرائيلى، لأن مسئوليتنا التاريخية النابعة من مسئوليتنا عن الهولوكوست يحتمان وقوفنا الأبدى مع إسرائيل وأمنها.

أما إيطاليا فقد أمدت إسرائيل بطائرات تدريب وطائرات هيلوكوبتر. إضافة الى تلك الأسلحة الفتاكة تقوم الدول الغربية بالعملية الأخطر، وهي التجسس وتحديد أماكن وجود المقاومة ورصدها، وتحديد أماكن الأنفاق من خلال طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار. هذه الإمدادات تجعل إسرائيل تقصف بلا هوادة وبلا خوف من نقص الذخائر نتيجة القصف المستمر والذي أدى الى تدمير غالبية المنازل وتدمير البنية التحتية تدميرا تاما، وإحداث دمار شامل يفوق الدمار الذى أحدثته الحرب العالمية الثانية.

إضافة الى إمدادات الأسلحة يقوم الغرب بإرسال المعونات الاقتصادية التي تقوم بتعويض أي خلل في الاقتصاد الإسرائيلي منها على سبيل المثال 14 مليار دولار أمريكي تمت الموافقة عليها فور إعلانها من الرئيس الأمريكي.

هذه الأموال يوزع منها أجزاء على كل متضرر من الحرب في إسرائيل مثل التجار ورجال الأعمال. أضف الى ذلك ما تقوم به أمريكا في مجلس الأمن ووقوفها الدائم لاستخدام الفيتو وتفريغ أي قرار لوقف إطلاق النار من محتواه لإطالة أمد الحرب ولتمكين إسرائيل من الانتهاء من تحقيق إستراتيجيتها وأهدافها المعلنة وهي تسوية غزة بالأرض حتى لا يجرؤ أحد من بنيها فى المستقبل على تعكير الماء الذي تشربه إسرائيل. وزير الدفاع الأمريكي يخرج أكثر من مرة ويعلن على الملأ أن أمريكا لن تسمح بهزيمة إستراتيجية لإسرائيل في غزة، وبالتالي يطلب من البيت الأبيض ضرورة المد المستدام من الذخائر والقنابل والصواريخ لتحقيق ضمان استدامة القصف على مدار الساعة وحتى تسوى غزة بالأرض.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: الجبرتى والإبادة الجماعية «4 ــ 4»

شكرا للتعليق على الموضوع