خواطر خلود الحسناوي “قهوةٌ مثلجـة”
هزيلُ البدن ..
هامتهُ مضيئةٌ كضياءِ القمر ..
وذوائبُ أكثر ،
ذو ملامحَ متعبة
وسحنةٌ دافئة ،
رسم عليها الزمن لوحاتُ بؤسٍ وشقاء ..
وخطوطُ طولٍ وعرض
لتضاريس حياته ..
وتغيرات مناخاته بسفره الطويل ..
دخل المقهى بخطواتٍ مترددة بطيئة ..
تتقدم تارة وتتأخر أخرى ..
إختار مقعدًا بعيدًا في زاوية تحيطها بعضُ النباتات ..
جلسَ برويةٍ ساحباً سيكارهُ بكلِ هدوء ..
وهو يرمقها بنظراتِ عتبٍ
أو سخرية أو ربما استسلام ..
رفيقةُ انتظاري أنتي..
خاطبها ،
أشعلَ رأسها بنار متوهجة ،
جزء من حريق أيامهِ ،
يشتعل بداخله ممزوجاً ببرودٍ سقيم ،
طلب قهوتهُ من النادل فأخبرهُ:
أنكَ يجب أن تختارَ طلبكَ عند الصراف،
ثم آتيكَ به ..
إمتثل بكل سلام ،
ومشى بخطاهُ المترددة ،
وطلبَ تلكَ القهوة السادة ..
تريثَ قليلًا،
إنتَبه ،
فحديثُ الموظفة ينِمُّ عن ذوق واتيكيت يجعلكَ تُغير حياتكَ لا مشروبكَ فحسب ؛
قال لها : غيري لي الطلب لطفاً .
بإضافةِ بعضٍ من سكرٍ لها ..
عاد إلى الطاولة متأملًا رمادَ سيكاره ..
ما هذا ؟!
الغيابُ يأكلنا فنصبحُ من بعد ورقةٍ رماداً في منفضةِ الزمن ..
ذلك الحنين لأيديٍ كانت تضمنا في كل حين ..
فنستنشقُ أنفاساً هي الحياةُ لنا ..
حرَّكَ الرماد بطرفِ أصابعهِ متأملاً ..
فتذرّى وذَرى ..
كيف لنا الصبرُ على الفقدْ؟!
كيف نحتملُ الإحتراق شوقاً ؟!
الجمرُ يسري في تبغكِ وورقكِ،
وتقاومينَ دون جدوى ،
الى أن أصبحتِ عقباً بلا سيكار .
جاءتْ القهوةُ فأشعلَ سيكارة أخرى..
ويستمر الإشتعال شيـباً ،
وقلباً ،
ورأساً ..
دون حضور ،
حباتُ البُن تُسامرُ دخاناً يسبحُ في الفضاء ..
يعانقُ ذكرياتٍ تفتَتْ ..
وصوراً بهتَتْ ..
تُرى هل يذكرونا ؟
يَحِنُونَ لنا كما نَحِنُ لهم ؟
أوراقُ الشجرِ تشدُ الرحالَ في الخريف ..
وحبيبات البُن تَضيعُ في الفنجان ..
والحريقُ يسري في الوجدانِ ..
أعطني ليلةً بلا ذكرى
أعطيك َنصف العمرِ هدراً ..
تشابكتْ الأضلاعُ تحتضنُ عَبرةً مختنقة ..
والأصابعُ تستقبلُ دمعةً صلِفَة ..
والعينُ ترقبُ السماء ..
تربو إلى روحٍ تحومُ حولها بهمسِ محبٍ مجنون .
.
.
دق جرس ٌ..
وجاءَ الطلب ..
قهوةٌ مثلجةٌ !! ..
وأصابعُ أثلجُ منها ..
وعلبةُ سيكارٍ فارغة ..
إستَسلمنا للقصة ..
عذراً ..
كانَ خيالُ عاشقٍ جُــنَّ .
اقرأ للشاعرة
شفاه مبتسمة… “شعر” خلود الحسناوي