مصطفى جودة يكتب: مشروع القرن فى أمريكا

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

يبدأ الوهن والاضمحلال للأمم والقوى العظمى من الداخل، لأن حكمة الخالق اقتضت تدويل الأيام بين الناس. اضمحلت اليونان والرومان والحضارة الإسلامية فى الأندلس وبغداد وغربت الشمس عن بريطانيا العظمى التى لم تك تغرب عنها وانتهى المشروع النازى.

يحدث ذلك عندما يظن أهل تلك الأمم أنهم قادرون عليها وأنهم على قمة العالم ويفرحون بما أوتوا وأنهم حققوا كل شىء وأنه لا غالب لهم وأنهم قادرون على كل شىء. آخر مشروعات الاضمحلال الكبرى هو ما بدأ الحديث عنه فى الأيام العشرة الماضية فى أمريكا وهو ما يعرف بمشروع 2025.

هو مشروع خططت له إحدى المؤسسات الأمريكية المحافظة وهى مؤسسة هيريتج أو مؤسسة التراث الأمريكية التى تأسست عام 1973 لإعلاء القيم المحافظة فى أمريكا وتعزيز قيم المسيحية وغرسها فى الحكومة والمجتمع الأمريكى.جاء فى افتتاحية المشروع تلخيص موجز كتبه رئيس المؤسسة عن هدفه وهو جعل أمريكا دولة محافظة، ولتحقيق ذلك يتعين على الرئيس القادم التركيز على أربع جبهات تقرر مستقبل أمريكا وهى استعادة الأسرة وحماية أطفالنا، وتفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي الأمريكى، الدفاع عن سيادتنا، وتأمين حقوقنا الفردية التى وهبها الله لنا فى العيش بحرية.

 ذكرت صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 12 يوليو أن حملة الرئيس السابق ترامب فى تواصل مستمر مع المسئولين عن المشروع فى مؤسسة هيريتج ومع رئيسها الحالى كيفن روبرتس الذى أعد المشروع الذى بدأ فى الظهور الإعلامى الكثيف مؤخرا، وهو الذى سماه وأوضح أن فوز المحافظين فى الانتخابات القادمة ليس كافيا كما جاء فى نص المشروع على موقع المشروع على الإنترنت إذا كنا نرغب فى إنقاذ البلاد من قبضة اليسار المتطرف، فنحن فى حاجة الى أجندة حاكمة وأشخاص مناسبين يقومون بتنفيذ هذه الأجندة الحاكمة منذ اليوم الأول لإدارة ترامب المحافظة القادمة وبمجرد تنصيبه فى شهر يناير القادم وتستمر بعده، وأن إستراتيجيات المشروع الكبير تهدف الى إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية تشكيلا جذريا أساسه تعزيز سلطة الرئيس بأن تكون السلطة التنفيذية بالكامل تحت إمرته المباشرة وتمكينه من خلال استبدال عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين الذين يعيقون مشروعه كما حدث فى نظرهم فى الفترة الرئاسية الأولى له وضرورة تغيير ذلك فى الفترة الثانية بتعيين موظفين موالين له ومؤمنين بسياساته لتمكين وتحقيق أجندته وستكون وظيفة هؤلاء تفكيك البيروقراطية المقيدة له والمعيقة لبرامجه وطموحاته.

شاركونا علي صفحة الفيسبوك علي الرابط: https://www.facebook.com/elteleghraph/

عقب ظهور الموضوع للنور، سأل أحد الصحفيين الرئيس السابق ترامب عن رأيه فى المشروع وهل سيتبناه كما تقول الأخبار فقال إن المشروع يحتوى على كثير من النقاط المهمة، اما الرئيس بايدن وحملته الانتخابية فوجدوا فى المشروع ضالتهم المنشودة خصوصا بعد الأداء الكارثى للرئيس بايدن فى المناظرة الأولى، فبدأوا على نطاق واسع فى الهجوم على المشروع بعنف وما يمثله من ردة كبرى عن الحقوق الأمريكية المكتسبة عبر وجود الولايات المتحدة منذ نشأتها الأولى وأهم مكتسباتها الحرية والديمقراطية والعدالة، وأن المشروع يمثل خطورة بالغة وأنه يلغى الدستور الأمريكى وأنه يهدم كل ما تمثله أمريكا وأن ترامب يمثل خطرا كبيرا.

أصبح لا يخلو ظهور للرئيس بايدن بالداخل والخارج إلا ويذكر فيه المشروع بالسوء وأنه يمثل ثورة مدمرة على المكتسبات الأمريكية والنظام الأمريكى الحالى ويهدف الى قلب أمريكا رأسا على عقب من خلال مقترحات سياسية صاغها 400 باحث محافظ فى 920 صفحة، كثير منهم ممن عملوا مع ترامب فى فترة حكمه الأولى، ويأمل هؤلاء أن يتبنى ترامب فى حالة فوزه بمرحلة ثانية ما ورد فى المشروع ومقترحاته التى تمثل جوانب كاملة لإحداث تغييرات جذرية فى مجالات التعليم والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويدفع الى تقييد الحكومة الفيدرالية ومؤسساتها المختلفة حيث ينص على الحد من دور مكتب التحقيقات الفيدرالية (الإف.بى.آى) وفى وزارة العدل والتى يجب الاستيلاء عليها بالكامل نتيجة دورها الكبير فى الحياة الأمريكية. كما يهدف المشروع الى الحد من كثرة اللوائح البيئية واللوائح الخاصة بالمناخ، ويهدف الى إلغاء وزارة التعليم ونقل برامجها وتخصصاتها الى برامج ومؤسسات أخرى، كما يهدف الى تفكيك وزارة الأمن الداخلى ولجنة التجارة الداخلية، كما يسعى الى ضرورة إجراء تخفيضات ضريبية خصوصا على الأغنياء والى تخفيض المخصصات المالية للرعاية الطبية ورفض وتجريم عمليات الإجهاض والى إلغاء التكفل بتحمل وسائل منع الحمل ومقاضاة المخالفين الذين يرسلون ويتلقون وسائل منع الحمل وحبوب الإجهاض على مستوى الولايات المتحدة كلها.

 كما يهدف المشروع الى إنهاء برامج التنوع والمساواة وحقوق المثليين كما أنه ينص على اعتقال واحتجاز المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون فى الولايات المتحدة الآن. أيضا يقترح المشروع استخدام القوات المسلحة لتنفيذ القوانين المحلية الخاصة بالولايات الخمسين، كما أنه يدعو الى عدم إلغاء عقوبة الإعدام.

 وفيما يخص وزارة الخارجية فإن المشروع يقترح التخلص من جميع موظفى وزارة الخارجية الحاليين الذين يتولون الأدوار القيادية بها وذلك بحلول 20 يناير 2025، أى فى اليوم الأول لتنصيب الرئيس ترامب، ويكون التعيين لقيادات وزارة الخارجية من بعدها بطريقة لا تتطلب موافقة مجلس الشيوخ كما هو الحال حاليا. المشروع بوضعه الحالى يشبه محاكم التفتيش التى تشكلت فى إسبانيا. من أجل ذلك فإن تسريبه وكثرة الكلام والتعليق عليه من مؤسسة هيريتج باتت تمثل ضيقا لحملة الرئيس السابق ترامب لإدراكها أن غالبية الشعب الأمريكى لن ترضى بذلك وبإلغاء حقوقها المكفولة دستوريا مما قد يؤدى الى سقوط ترامب.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: القانون الذي لن تهرب منه إسرائيل

شكرا للتعليق على الموضوع