مصطفى جودة يكتب: القانون الذي لن تهرب منه إسرائيل
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
أصبحت إسرائيل كاسرة لكل القوانين الإلهية والبشرية، تساعدها فى ذلك حبال من الناس سواء كانت حبال الإمبراطورية البريطانية من قبل ثم حبال الولايات المتحدة من بعد، هى دولة منذ إنشائها بلا دستور وبلا حدود مثل بقية الدول الأخرى، وبالتالى فهى كيان غريب.
لأول مرة تتكشف الحقائق عيانا للناظرين أن إسرائيل تكسر كل القوانين والأعراف فى السر والعلن وتساعدها فى ذلك أكبر قوة فى العالم وهى الولايات المتحدة بكل إمكاناتها المادية والبشرية، بسلاحها وبمالها وباستخباراتها ودعاياتها ومناصراتها فى كل المحافل الدولية، كما ساعدتها من قبل الإمبراطورية البريطانية بنفس المقدار.
آخر هذه القوانين هو الرفض العلنى الأمريكى من الرئيس بايدن وكل إدارته ومنهم وزير الخارجية ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومى والمتحدثون باسم البيت الأبيض، وفى مجلس النواب متمثلا فى زعيم الأغلبية به، الذى لا يكف عن إدهاش العالم كله فى مناصرته لإسرائيل مهما فعلت من ظلم وإبادة جماعية، وفى مجلس الشيوخ متمثلا فى كثير من الأعضاء أبرزهم السيناتور ليندسى غراهام الذى دعا فى بداية الحرب الى تسوية غزة بالتراب وفى تصريحاته المستفزة المتكررة وليه الحقائق، واقتراحه الأخير فى مقابلة تليفزيونية معه أنه لا يمانع ضرب غزة بالأسلحة النووية لتحقيق النصر مثلما فعلت أمريكا فى هيروشيما ونجازاكى مما جعل اليابان تستسلم بعدها، ثم هجومه على محكمة الجنايات الدولية وفرض عقوبات عليها لأنها تجرأت وأصدرت اتهامات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزير دفاعه بأنهما ارتكبا جرائم حرب مثبتة وأن الاتهام صدر بعد أشهر من التحقيقات والمداولات.
وبدلا من احترام ذلك الحكم ودعمه يخرج الرئيس الأمريكى وزعماء المجالس النيابية بالتصريحات الشاذة بفرض عقوبات على قضاتها الذين أصدروا هذا الحكم العادل. الأمر لا يقتصر على كسر القوانين، ولكن يتعداه ليشمل المعالجة النفسية لنيتانياهو الذى انتهت صلاحياته بالكامل، ولإسرائيل المنهارة نفسيا كدولة لأول مرة فى تاريخها لدرجة تهدد وجودها ذاته. هاهو الرئيس بايدن يكرس كل الإمكانات المادية والبشرية الأمريكية لجعل إسرائيل تبدو قوية وأسطورية مثلما كانت، آخرها ضغطه على الكونجرس ليوافق على اقتراحه بإمدادها بأسلحة متطورة قدرها 18 بليون دولار وكأنها مكافأة ضخمة على ما أنجزته فى غزة من إبادة.
أضف الى ذلك إمدادها بالمعلومات الاستخبارية فى الصغيرة والكبيرة بطريقة مستدامة، آخرها ما حدث فى عملية تحرير أربع رهائن والتى شارك فيها جنود أمريكيون حسب كثير من الروايات الأمريكية والتى راح بسببها 220 شهيدًا فلسطينيًا من اللاجئين فى عملية وصفت من كثير من المحللين بأنها جريمة حرب.
قبلها عقب الرد الإيرانى والتدخل الأمريكى فى إسقاط غالبية الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية المتجهة الى إسرائيل، خرج الرئيس الأمريكى ليعلنها على الملأ أن إسرائيل انتصرت انتصارا مبينا فى إسقاطها الطائرات والصواريخ الإيرانية.
كانت هذه محاولة لعكس سهم الهزيمة الإسرائيلية وإرجاع الأمور لما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023، حيث كانت إسرائيل تظن بنفسها الآمرة والناهية والقوة العظمى فى الشرق الأوسط والتى لا تجرؤ قوة فيه على مجرد الكلام عن قذفها بصواريخ ومسيرات.
أيضا وقبل كل شىء كانت الأسلحة الأمريكية المدمرة التى خلفت قرابة 40 طنا من مخلفات القذف والعدوان على غزة والتى ستحتاج أزمنة جيولوجية لإزالتها.
بعدها جاء الدور على مجلس النواب ومجلس الشيوخ اللذين يبغونها عوجا فقاموا بدعوة نيتانياهو ليلقى خطابا تاريخيا على جلسة مشتركة من المجلسين يشرح فيه – على حد قوله – الموقف الإسرائيلى وأنها ضحية عدوان غاشم عليها من الإرهابيين الفلسطينيين.
نسى كل هؤلاء الساسة أن كل هذه المحاولات كانت ممكنة قبل السابع من أكتوبر. لن تجدى هذه المحاولات لإنقاذ إسرائيل ورئيس وزرائها.
التفسير يكمن فى قانون عدم الرجوع والذى لا يمكن كسره والذى ينص على أن كل العمليات فى الكون تسير فى اتجاه واحد وهو اتجاه اللاعودة.
لتوضيح ذلك وفهمه بأمثلة من الواقع الحالي: هل ستعود ثقة العالم فى احترام القانون الدولي بعد أن جعلته أمريكا عبرة ومسخرة؟.
هل ستعود ثقة البشرية فى مجلس الأمن عندما تنجلى أمريكا وتطلب تطبيق البند السابع لغزو بلد من البلدان مثلما فعلت بالعراق؟.
هل ستعود البسمة لطفل من غزة فقد أطرافه ووالديه؟.
كل ذلك لن يحدث لأن المولى قضى بأنه حرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون، وأنه هو الوحيد الذي يبدئ ويعيد.
الأهم: هل سيعود المشروع الصهيوني الى قوته التي كان عليها قبل السابع من أكتوبر؟
إن الزمان لن يعود إذا قلنا له ارجع يا زمان، لأن ذلك ناموس من نواميس الخلق يطبق على كل المنظومات والذي يفسر عمليات الاضمحلال، والذي يفسر التاريخ وكل المسالك والذى له عدة صيغ أهمها أن كل العمليات تسير فى اتجاه واحد غير قابل للعكس، وهو اتجاه زيادة الفوضى. هذا القانون هو الذى يمنع عودة نتانياهو الى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر مهما حاولت جماعات الضغط باستخدام المال والسلطان والساسة الذين تجندهم لتنفيذ أجندتها وذلك من خلال دعم انتخابهم بالمال والدعاية. لقد وصل هذا التآمر فى أمريكا الى منتهاه، ومن أجل ذلك نرى أن الأمر يحتاج تدخلا إلهيا لهزيمة هؤلاء الساسة. قد تكون المظاهرات الطلابية فى الجامعات الأمريكية التى لن تخبو حدتها فى العام القادم هي المسمار الذى سيدق فى نعش جماعات الضغط.لن تستطيع أمريكا وقف الاضمحلال الإسرائيلى والدفاع عنها طبقا للقانون الذى تحاول الهروب منه ولن يعكس السهم الإلهى الذى لا بد من نفاذه.
gate.ahram
اقرأ للكاتب