ناصر اللحام يكتب : كيف تصبح وسائل الإعلام بعد ثلاث سنوات ؟

مع الثورة التكنولوجية الهائلة التي شهدها العالم، اختلفت الأدوار التي يطلبها المجتمع من وسائل الإعلام .

وكما شهدنا انتكاسة كبيرة في مجال الصحافة المكتوبة وتلفزيونات ابراج البث لصالح المحطات الرقمية. فإننا نقف الأن أمام تغييرات هائلة أخرى ستطرأ على عالم الانترنت قريبا وسريعا، ومن المتوقع حتى العام 2020 أن تكون الصحافة المعروفة حاليا قد دخلت عالما جديدا بكل معنى الكلمة.

عالم تتحد فيه خبرات الصحفيين المدربين والكوادر والكفاءات مع إسهامات الهواة ورباّت المنازل وأطفال المدارس وعابري السبيل، جميعهم يتفاعلون تحت فيء شجرة أسرع واحدث عوالم التكنولوجيا والتلفزيون والإذاعة الرقمية .

لقد أصبحت الهواتف الذكية طريقة حياة، وأهم عوامل نجاحها الفريد هو اتصالها بكل مناحي الحياة وسهولة حملها وامكانية الحصول عليها ، كما انها توفر خصوصية صامتة. ولو نظرنا نظرة عميقة لتجربة عشر سنوات مضت، سنجد أن نجاح ثورة التكنولوجيا يرتهن في الحقول التالية :

– الخدمات التكنولوجية شبه مجانية في الاتصالات والاشتراك بالتواصل الاجتماعي والاطلال على عوالم وقارات أخرى من دون أن تكون حكرا على الاغنياء .

– لا يتطلب مشاركتك في الثورة التكنولوجية أن تدخل معارك وقتال وسجون وصراعات من اجل أن تتصل بالعالم ، ورويدا رويدا بدأ الافراد يستقلون بحاجياتهم عن الاخرين. ولأجل هذا لم يعد شرطا أن يدخل الأفراد في نزاعات عنيفة من اجل الاعراب عن وجهة نظرهم، ولم يعد من الضروري ان تؤذي نفسك وتتعرض للنفي او السجن او تخرج في تظاهرة من أجل أن تؤيد او تعارض حكما عسكريا أو هيمنة القطاع الاحتكاري .

– يمكن أن يخفي المواطن هويته ، ولا يكون مشهورا بالاساس، وبالتالي فإن الحضور والمشاركة في الثورة التكنولوجية الاعلامية لا يتطلب هوية عشائرية او نسب من عرق محدد .

– نجاح وسائل الاعلام المستقبلية سيعتمد على سهولة وصول المعلومة الى المستهلك بجودة أعلى وان يكون الخبر مع الصورة متوفر دائما وبسرعة وصدق ، وان تبقى حرية التعبير هي الخزنة الأكثر أمانا للخبر وللتحقيقات الصحافية .

– إن معيار النجاح “ظاهريا” سيبقى هو المعيار المهني والأخلاقي. وفي اللحظة التي تتخلى فيها وسائل الاعلام المستقبلة أو تتقاعس عن هذين الشرطين فإنها ستتحول إلى مؤسسة فاشلة ينخرها السوس والوباء من داخلها، وسينتشر الظلم الوظيفي والمحاباة وتتحول إلى جيش من المنافقين والعبيد لا يمكن ان يقودوا الرأي العام . ولن ينفع المال من دون قضية عادلة .

– إن قيمة الصحفي الفردية، لن تقل أهمية عن قيمة العمل الجماعي كفريق، وفي حال نضبت الكفاءات الفردية من أية مؤسسة اعلامية ستنهار ولو امتلكت مال قارون وخزائن سليمان . فالمجتمعات البشرية بحاجة دائما الى انسان يشبههم ويمثل مواقفهم ويتبادل معهم الافكار والمشاعر وردود الفعل .

– إن أكبر خطر يهدد بفشل المؤسسات الإعلامية لن يأتي غالبا من خارجها ، وإنما سيأتي من داخلها ، وما سيهدم مؤسسات الصحافة الكبرى هو الامراض المعروفة التي لا تحتاج الى بحث مثل ( التنازل عن القيم – عدم الدفاع عن الحق – عدم مواكبة الحدث – التطرف – العنصرية – ازدراء الرأي الاخر – العدوان اللفظي على الاخرين – الابتعاد عن الخبر الحقيقي – انتشار النفاق والكذب – ضرب معايير العلوم الإنسانية وغيرها ) . وان تطور التكنولوجيا الهائل سيزيد من الحاجة الى القيم الانسانية وليس العكس .

– في السنوات الثلاث القادمة لن يكون السؤال الموجه لوسائل الاعلام إذا كانت ستنجح أكثر وتتطور ، وإنما سيكون السؤال إذا تبقى أو لا تبقى . ومن أجل البقاء والنجاح عليها أن تهتم بالخبر بحرفية عالية واحترام للقيم، وعليها أن تعيد إلى الصحافة الفلسطينية هيبتها وتحافظ على مهابة عالية في قيمة الأداء الإعلامي والإداري .

ومع تطور التكنولوجيا في السنوات القادمة سيمتلك المواطن القدرة على التمييز بشكل أفضل ، وسيطلب من وسائل الاعلام أكثر واكثر :

#عدم تدخل أية جهات في الخبر ، فالخبر حقيقة نسبية مقدسة لا يخضع لمزاج الإدارة أو مصالحها مع جهات أو أفراد او مسؤولين .

#إعادة الثقة بالنفس للقارئ والمشاهد من خلال توضيح كل ما سلف ومن خلال زيادة المشاركة بشكل جوهري . وخصوصا مشاركة المواطن من خلال الفيديو في صياغة الخبر رويدا رويدا .

# زيادة تنظيم العلاقة بين المواقع الالكترونية وبين القنوات الفضائية من جهة وبين مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مهني. بهدف المشاركة والاحترافية والمهنية والانتماء لمصلحة الجماهير والدفاع عن قضايا محددة . لان الحق معادلة كبيرة لا يمكن لأية مؤسسة اعلامية ان تدعي انها تملك شهادة احتكار بها دون غيرها من القنوات والمحطات .

اقرأ للكاتب : 

العيب والحرام من سمات الطبقة الوسطى

شكرا للتعليق على الموضوع