مصطفى جودة يكتب: قلبى فى القاهرة
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
بتاريخ 19 مايو الحالي حلت علينا ذكرى مرور مئة عام على ميلاد مالكوم إكس أحد عمالقة القرن العشرين.
ولد فى ولاية نبراسكا الأمريكية فى 19 مايو 1925، وقتل فى 21 فبراير 1965، بمدينة نيويورك.
ورغم هذا العمر القصير الذى لم يتجاوز الأربعين عاما، إلا أنه ترك آثارا وإرثا عظيما، وكأنه عاش ألف سنة من الكفاح ومحاولات التغيير للأفضل لنفسه ولأتباعه وللبشرية جمعاء.
رأى فى طفولته العذاب الأليم الذى عانته أسرته جراء العنصرية الكريهة السائدة حينها فى أمريكا.
فى 7 نوفمبر 1928، أحرقت مجموعة عنصرية أمريكية منزلهم، ولم ترسل لهم عربة إطفاء مما أدى الى احتراق المنزل بالكامل. فى سبتمبر 1931، قتلت جماعة كلو كلوكس كلان الإرهابية والده فى حادث مدبر.
فى عام 1944 حكم عليه بالسجن أربعة عشر شهرا بتهمة السرقة.
فى ديسمبر 1945 حكم عليه بالسجن لمدة ثمانى سنوات.
فى 7 أغسطس 1952 أطلق سراحه، لينضم سريعا الى «أمة الإسلام»، ونتيجة موهبته الخطابية استطاع بمفرده مضاعفة أعضاء أمة الإسلام أضعافا كثيرة، وتم تعيينه مساعدا للقائد، ثم تمت ترقيته الى أعلى منصب بعد القائد الياجا محمد.
فى عام 1955 حضر المؤتمر الأول لدول عدم الانحياز فى باندونج بإندونيسيا.
فى عام 1961، عينه إلياجا محمد ممثلا وطنيا لأمة الإسلام.
لم تكن فترة سجنه شرا كلها، بل بالعكس كانت هى المدرسة والجامعة التى أكسبته مهارات الخطابة والمعارف.
قرأ فى مكتبته، التاريخ وخصوصا تاريخ الاستعمار والعنصرية والفلسفة اليونانية والحديثة، كما درس الإسلام، والمسيحية، والبوذية.
حفظ القاموس كله فى السجن. كان يتدرب على الخطابة من خلال القائها على السجناء.
فى عام 1961، عينه الياجا محمد قائدا وممثلا وطنيا لأمة الإسلام، وهو الأمر الذى منحه فرصة الالتحام بالجماهير واكتساب شعبية كبيرة واكتساب الكثيرين من الموالين، وذلك من خلال دعواته لإلقاء الخطب فى الجامعات والتجمعات ومن خلال المناظرات التليفزيونية والاذاعية والتى كان يفوز فيها جميعا، مما جعله أيقونة للشباب الأسود.
أثارت تلك النجاحات الحقد والحسد والوصول لحد التآمر بين أقرانه المقربين من الياجا محمد، كما أثارت المخاوف لدى السلطات الأمريكية التى خشيت من المد الخطير الذى كانت تحدثه خطاباته وكتاباته.
فى 27 أبريل 1962، قتل سكرتيره، والذى أظهر التحقيق فى مقتله الى إدانة الشرطة، وكذلك 11 عضوا من أعضاء أمة الإسلام.
ساءت بعدها العلاقة بينه وبين إلياجا محمد نتيجة اتهام مالكوم له بارتكاب الكثير من العلاقات النسائية غير الشرعية، وهو الأمر الذى أغضب إلياجا محمد، ورغم اعتذاره وإرساله خطابا لإلياجا محمد، إلا أن العلاقة بينهما فترت وتدمرت.
فى 6 يناير 1964، عزله إلياجا محمد كممثل وطنى لأمة الإسلام. عقبها أعلن مالكوم عن خططه لتأسيس منظمته الخاصة التى تحمل اسم « مسجد المسلمين».
فى أبريل 1964، سافر فى جولة خارجية لمدة خمسة أسابيع شملت مصر ولبنان وليبيريا والسنغال ونيجيريا وغانا والمملكة العربية السعودية حيث أدى فريضة الحج، وغير اسمه الى الحاج مالك الشباز.
فى الحج رأى المسلمين باختلاف ألوانهم وجنسياتهم وهم فى مكان واحد بدون صراعات وبدون عنصرية. قابل خلالها الملك فيصل الذى أكرمه كثيرا.
كانت هذه الرحلة هى نقطة التحول الكبرى فى حياته. عندما قابل مسلمين من البيض تغيرت نظرته أن الرجل الأبيض ليس شيطانا.
وبعد انتهائه من الحج غادر جدة فى إبريل 1964، وخلال زيارته دخل مصر والسودان والحجاز وتهامة والتقى بأحمد بن بلة فى الجزائر، والكثير من رؤساء الدول الإفريقية خصوصا جمال عبد الناصر الذى أعجب به كثيرا ووصفه بزعامة حركات التحرر.فى مصر أيضا قابل شيخ الأزهر والمفتي.
فى 27 فبراير1965، تم اغتيال مالكوم إكس فى عملية لا يدرى أحد بالضبط من الذى قام بتنفيذها.
ترك مالكوم إكس إرثا خالدا تتزايد أهميته يوما بعد يوم، خصوصا بين المسلمين من أصول إفريقية وغير المسلمين منهم.
لا تزال كلماته عن الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والتعليم حكما ملهمة للكثيرين من البشر فى كل أنحاء العالم. منها: «نحن لا نمارس العنف مع الأشخاص الذين لا يمارسون العنف معنا». «فى كل مرة تتوسلون فيها الى رجل آخر ليحرركم، لن تتحرروا أبدا. الحرية أمر عليكم فعله بأنفسكم». «ليس شرطا أن تكون رجلا لتدافع عن الحرية. يكفى أن تكوم إنسانا ذكيا». «لا أحد يستطيع أن يمنحك الحرية والمساواة والعدالة أو أى شيء.
إذا كنت رجلا يتعين عليك أخذها». «لا يمكن فصل السلام عن الحرية، لأنه لن ينعم بالسلام إلا الحر». «التعثر ليس سقوطا». «عملية التعليم الخاطئ هى التى تعوق الإمكانات الكاملة للأمة». «التعليم هو جواز السفر الى المستقبل، فالغد ملك لأولئك الذين يستعدون له اليوم». «مصر علمتنى أن الإسلام ليس دينا للعبادة فقط، بل سلاح للعدالة الاجتماعية».
هناك أفلام عن حياة هذا الإنسان العظيم منها فيلم مالكوم إكس، بطولة دينزل واشنطن واخراج سبايك لي، 1992.، وفيلم وثائقى بعنوان: «مالكوم إكس: اجعلها واضحة»، 1994. وفيلم وثائقى أنتجته نت فليكس عام 2021، بعنوان إخوة الدم يروى علاقته مع محمد علي.عنوان المقال مستسقى من جملة قالها مالكوم إكس عن القاهرة فى زيارة لها، معبرا فيها عن حبه لها وما قابله الجميع بها من حفاوة لم يعهدها من قبل.أتمنى أن تقوم ماجى مرجان أو مريم نعوم أو كاملة أبو زكرى لعمل فيلم وثائقى عن رحلاته الثلاث الى مصر.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: سَلطة أحمد زكى العلمية

