لؤي ديب يكتب: ما يحدث في المنطقة ليس حرب بل حسم
في خمسينيات القرن الماضي وفي الوقت الذي كانت الضفة الغربية والقدس تحت السيادة الاردنية ، وكانت حملة التجنيس تخطف عرب الداخل ، بينما يحاول فلسطيني اللجوء في لبنان وسوريا والاردن ايجاد خرم ابرة للتنفس ، كانت غزة ومن تحت السيادة المصرية تُشكل الهوية الوطنية الفلسطينية وتنشرها في كل مكان يتواجد فيه الفلسطيني ،
واستمر الحال لتتحول غزة في المشهد بعد ان كانت تقود وتقاوم ، الي خزان مهمل للوطنية الفلسطينية ، ثم انتقلت للكفر بكل اجراءات التهميش ، كان جيل كامل ممنّ سمع الحكمة من افواه الجدات ، وتعلم الرجولة من سلوك الرجال الحقيقين ، ونشأ على حُب فلسطين دون شروط او امتيازات ، يرحل بحُكم العمر او يصمت ليس ضعفاً بل احتراماً لما كان عليه من اخلاق وطنية .
ثم نشأ جيل جديد لم يعاشر من فلسطين وطنيتها وشغف ثورتها ، جيل تربي في ظل الانقسام على مفاهيم الحقد والحزبية قبل الوطن ، جيل قبل ان يتسول وجوده من مغتصبي ارادته ، فذابت ملامح الوطنية وحل محلها التطرف التنظيمي وتقديس الاشخاص وتغيب التفكير والنقد الوطني لصالح عبودية الراتب او مساعدة من هنا او هناك ، بيئة كانت صالحة لعشب ضار ينمو في حديقتنا التى تحولت لخرابة ، جيل ضائع بدون هوية يترنح بين حبة ترامدول وغباء تنظيم وفقر مدقع لا يدفعه الا للتفكير في ساعته واهمال غده ، جيل وافق على كل شيء فكان احتمالاً بقبول الصفر .
جيل كان يُفترض ان يجاري العقول لا أن يُقدم نفسه قرباناً لها ، فاصبحنا نحن القضية المرمية في سلة المهملات بسب الاشخاص الخطأ الذين اعتلوا سدِة القرار الفلسطيني واثخنوا في تفتيت المجتمع الفلسطيني وتكسير رؤيته الجمعية استراتيجيا وخلق فوضى وضجيج في كل تكتيك كان عبارة عن معول في هدم عملاق اسمه الشعب الفلسطيني وتقزيمه حتى اصبح يصاحبه الفقر والتسول والعجز وقلة الحيلة.
ولم تنته قصة هذا الجيل التائه عند هذا الحد ، فما ينتظره بعد حرب غزة ما قبله لا يُذكر في تغير الثقافة والاولويات والمفاهيم وحتى العادات والتقاليد وصولاً للتخلي عن الطموح الوطني ، ومن اجل كل ما سبق وكان ، كانت البداية من غزة بثقب هذا الخزان الوطني المعدي لغيره من الفلسطينيين وترك ما فيه من قيم ورجال ونساء يفترض ان يورثوا غيرهم تلك القيم يتسربون من الثقب على قارعة الطريق مات جزء منهم بطيئاً واهمل الاخر واخذت الابادة اغلبية منّ تبقى ، ونجا القليل ممنّ غادر ليعتكف الصمت والانطواء .
لم تنتهي اسرائيل من غزة بعد ولم تحقق اهدافها الكلية ، لكنها قريباً وقريباً جداً واقرب مما يتصور البعض ستنهي حربها المشمولة بعمليات عسكرية على غزة ، لتبدأ مرحلة جديدة بعد ان خضعت للخطة الامريكية وبعض الضغط العربي باستبدال مصطلح ( التهجير ) بمصطلح جديد ( تخفيف الازدحام السكاني ) فيها ومن اجل الوصول لذلك ، يعتبر جميع الذباحين ان ما حدث لغزة غير كافي لتكون بيئة طاردة لابنائها وبالتالي لا بُد من زمن معين في نظرهم لا امان فيه لا على مال ولا عرض ولا شرف ، في صراع يُطبخ على نار هادئة لحرب ما بين اللصوص والتكفيرين وبقايا المقاومة والوطنية .
الشرق الاوسط الجديد ما زال امامه عام ونصف حتى يتشكل بشكله المطلوب الذي يحقق تنبأ الحاخامات الذي سيسلم فيه نتنياهو مفاتيح اسرائيل الكُبرى لملك لإسرائيل ، هذا ان سارت الخطط كما هو مخطط لها ولم تفشل، ومنّ يعتقد ان حرب ايران – اسرائيل قد انتهت فهو واهم ، ولم يكن مفاعل فوردو هو الهدف بل مفاعل ( جبل الفأس ) الذي لم يسمع به احد وسيكون عنوان المرحلة القادمة ، وما هي الا اسابيع اما توقع ايران على اتفاقية عنوانها الاتفاق وباطنها الاستسلام او تتجدد الحرب عليها بشكل مختلف واكثر عنفاً يفضي الى تقسيمها الي ثلاث دول ( فارس – كردستان – اذربيجان الشرقية ) ، بعد ان جعلوها وحيدة كما الحسين في كربلاء بلا ناصر او معين .
الشرق الاوسط الجديد في نظرهم يتطلب ازاحة المحافظين في ايران لصالح الاصلاحين والميلشيات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وليبيا والسودان ، لذا الامر لم ينتهي بعد وانما هي استراحة كي يُصار الي عقد صفقة اقرار بالذنب لنتنياهو ليُكمل ما بدأ من عمل قذر ليس نيابة عن الاخرين بل فتح الطريق لهم .
وفي الوقت الذي نقرر فيه ان ننطق كلمة واحدة سيكون الوقت قد فات وستكون كل الدنيا صماء ، فالعالم لا يراك الا في مشهدك الاخير ، كواليسك لا تشفع لك ، ومشهدنا الاخير سيء ويغديه سوء السلوك الوطني الذي ينعكس في سوء اداري وسياسي للمشهد الوطني الذي تتقلص جغرافيته بعملية ضم هادئة وسلسلة لأكثر من نصف الضفة الغربية .
ما يحدث في المنطقة ليس حرب بل حسم
د.لؤي ديب – النرويج
اقرأ للكاتب
لؤي ديب يكتب: إذا اصبت بلعنة الوعي فاعلم أنك في الطريق الصحيح!

