جمال جليل يكتب : شقلبان في بلاد اللبان!

عندما رحلت من مصر متجها الى كندا.. كنت مدركا تماما – انني ارحل من مجتمع كل ما فيه من اليمين الى اليسار.. الى مجتمع كل ما في من اليسار الى اليمين… بدءاباللغة الى اخر النظام.

 وعجبي على هذه الطائرة التي تعبر المحيط مستهلكة بعض الساعات.. ليحدث بعدها اكبر شقلبان.. نعم.. شقلبان.

جلست اتامل بعض المقولات والمبادئ التي تربينا وترعرعنا فيها.. وكيف حدث هذا الشقلبان.. في بلد الثلج والباذنجان نتيجة الخضوع لنظام السوبرمان.

ففي مصر.. كنا نسمع الناس تقول اصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب وانا شخصيا كنت كثيرا اطبق هذه المقولة.. ولم اعاني ولم اقلق.. بل كنت اتلذذ من الفلس.. لأنه يعقبه فرج وسعادة.. وكانت “بترزق” فعلا من حيث لا اعلم.. وحتى كانت لما لاترزق.. لم يكن هناك اي منغصات او كرابيج ملحة.. وطولها زي عرضها والاتكال على الله.. وعلى البركة.

وتخليت هنا وانا امسك بفاتورة التلفون و”الفيزا” و”الكيبل” و”المورجوج” والتأمين والبنزين.. والكهرباء.. و”الهيت”.. الخ.

لوطبقت هذا المثل سوف يكون ضربا من ضروب الجنون..ولن يرحمني احد.. ولن ترحمني الفواتير التي تعوج الفم و”المناخير” ، وتبقى “حوصة” و”لوصة” لا ينفع فيها قرع ولاكوسا.. حدث شقلبان.

 كنت اسمع كثيرا ابياتا من الشعر.. اسمعه باذني من الجميع واردده عندما احتاج الى استخدامه.. الا وهو..(فما اطال النوم عمرا وما قصر في الاعمار طول السهر)..

فكثيرا جدا كنا نسهر.. ونتسامر.. نتقابل حتى مطالع الفجر.. ثم نذهب للعمل.

وكنا نقوم لعملنا العادي.. بدون أي ضغط عصبي او توتر.. والحياة سهلة بلا تعقيدات اما هنا فوجدت ان طول السهر.. يقصر العمر.. ويبرجل المخ.. ويضعف النظر وتحتاج اكل جزر ومع قسوة العمل والملل.. والجو البديع ونحن الان في الربيع (عشرون تحت الصفر) الامر الذي يجعلنا ننام بالامر.. لمقاومة ساعات العمل في اليوم التالي حتى لايكسر الظهر.. من الصقيع والقهر والشقلبان.

قارنت بين العمل في مصر والعمل هنا وعلى وجه الخصوص اذا اشتغلت في الحكومة فتستمر في عملك حتى المعاش لم نسمع عن تخفيض عمالة ولا طرد ناس من شغلهم قد يكون هناك الدخل خفيف لكن الاستقرار والامان والتنظيم “وعلى قد لحافك مد رجليك” وكانت العلاوة برغم انها جنيهات معدودة لاحيلة لها ولاقوة لكن كان لها طعم ثاني الفلوس نفسها كان لها طعم بالرغم من ضآلتها.. طعم ومذاق مختلف عن الدولار هنا (يبدو انني فقري والله اعلم).

اذا اشتغلت هناك شهرين او ثلاثة و”أنت ماشي” ويحتفل بك والجميع يتلفون حولك تعبيرا عن العشرة والالفة وتمنيات بالتوفيق في عملك الجديد( لها بقية).

اما هنا اذا اشتغلت عشرون سنة او خمسون اذ فجأة يقول لك احسنت وابليت بلاء حسنا.. شكرا ياريت تاخد الباب في ايدك وماتجيش بكرة (لي اوف) حدث شقلبان. تذكرت المقولة التي كان والدي يرددها دائما.. (يا ابني السلف تلف والرد خسارة) لقد عرش في السلف والدين هم بالليل وقلق بالنهار اين انت يا والدي لترى اين يعيش المبدأ العام، ان لم تستدين فليس لك “ريكورد” كل النظام مبني على السلف والاستدانة بلا خجل او مهانة وجانا الهوى جانا واللي شبكنا يخلصنا حدث الشقلبان.

لم اكن اتخيل ان الحاج سلامة تاجر الفلافل الذي كان يقرض الناس بالفائدة وكان يوصف بأنه مرابي لانه يتعامل بالربا لقد ادركت انه كان سابق عصره بزمان واعتقد انه لو اتى الى كندا لكان شغل اعلى المناصب في نظام “الفيزا” وكان استاذا في علم الربا والجمعيات بدون كمبيوتر او كروت او بطيخ.. حدث الشقلبان.

لم اكن اتخيل ان نظام وزارة التموين في مصر نظام مريح لهذا الحد حيث الرقابة والتسعيرة الجدية التي تحددها الوزارة لتريح التاجر والمستهلك من تعب الاعصاب ومراقبة الاسعار.

 اما هنا فكلابها سارحة على ديابها من خلال المنافسة القاتلة والكبير ياكل الصغير وقارنت بين “البزنس″ في مصر و”البزنس” هنا.

 ففي مصر من الممكن ان يتوارث “البزنس” ثلاثة اجيال ويظل لزمن ليس قصير اما هنا فالافلاس على ودنه والتغير من نشاط الى نشاط على اشده فمن الممكن تجد محلا على مدار سنة واحدة تغير النشاط من بيتزا الى بقالة ثم مكتب كمبيوتر ومن الجائز يقلب في النهاية لحلاق.. حدث شقلبان.

منذ مجيئي الى كندا لاحظت ان الناس هنا لاتموت لا اسمع صراخا كما كنا نسمعه بين الحين والاخر لوفاة احد الجيران ففي مصر كل الناس تلتفت حول اهل المصاب والصويت من اكبر العلامات في بيت المصاب.

اما هنا اسال نفسي هل الناس لاتموت؟ او انها تموت ويقذفون بهم من البلكونة ويكفون على الخبر “مجور” ولا هذا حزن البلاد المتحضرة.. صدق صلاح جاهين حين قال في ربعياته ((الحزن باقالوش جلال ياجدع الحزن بقى زي البرد وزي الصداع))..شقلبان. الجو في بلادنا اربعة فصول محددة شتاء خريف ربيع صيف تشعر بالفروق بينها.

اما هنا على مدار الساعة لابد وان تحمل معك اربعة اشياء: 1) شمسية 2) شورت 3) بالطو 4) حذاء كوتش.

وانا شخصيا لا اعرف السر وراء كل مهاجر ينزل من الطائرة راشق في حذاء كوتش اغلب المهاجرين يحرصون على اقتنائه.. جائز لأن الجري هنا على اشده وانت بختك حسب الجو تستعمل ما يناسبك.

هنا لايوجد شيء وسط .. اما يعملون يمنتهى العنف.. او سكرانين!! اما الجو رطب جدا او جاف جدا اما صقيع واما حر نار.. شقلبان ، وبعد كل هذا علينا بالتكيف والا سيحدث لنا تليف.

واطلع يا عفريت اظهر وبان في بلاد اللبان ياللي عملت الشقلبان والله شقلبان!!

الوطن في البال

بقلم جمال جليل- تورنتو

اخبار العرب – كندا

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *