الواقع العربي يشكل نواة فكر استراتيجي
بقلم د.اشرف ابو عابدة
قد تصاب أمة في لحظة من تاريخها بالكبو ، فتنتكس حركة التراكم والتقدم فيها وربما تنقلب على الأعقاب، فتختفي روح الابداع وتسقط إلى الهاوية المؤلمة، بعد إذ كانت في قلب صناع الحضارة والمدنية والتاريخ ، وذلك ما حصل للامة العربية.
حيث دخل الوطن العربي من شرقه إلى غربه، في العقود الثلاثة الأخيرة، مرحلة تراجع شديد طال مستوياته كافة ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وقد تفاقمت معطيات ذلك التراجع على النحو لا سابق له، بدا معه الوضع العربي وكأنه جانح نحو السقوط، ومن عوامل ذلك التراجع والتدهور:
– تضخم حالة الانكفاء الكياني للدولة القطرية العربية وتضاؤل أو انعدام مستويات الصلة بين الدول العربية، وهو ما يفسر وأد الدولة القطرية لفكرة القومية العربية؛ وهو نتيجة إعلاء الوطنية على القومية.
– الانهيار المروع للأمن القومي العربي نتيجة عجز القدرة الدفاعية العربية عن صونه وحمايته، حيث كان اختلال التوازن العسكري بين الدول العربية و إسرائيل- لصالح الاخيرة، بالإضافة إلى الوجود العسكري الاجنبي على الأراضي العربية، والاستعانة العربية بالقوات الاجنبية في القضايا الشائكة.
– مظهر تداعيات الهزائم العسكرية أمام الاعداء الخارجيين في السياسات الرسمية العربية. والتسليم بذلك كأمر واقع، لا على قاعدة التخطيط الاستراتيجي لمواجهة أثارها، وهو ما يفسر السياسة السلبية العربية تجاه قضاياها الجوهرية.
– التدهور المروع في معدلات النمو، الناجم عن فساد السياسات الاقتصادية الرسمية، والانتقال من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر بدون ضوابط.
– اختفاء مظاهر المشاركة السياسية الفعالة وتزايد الاستبداد والتسلط في النظم السياسية العربية، واهدار للحريات العامة وحقوق الانسان.
وتلك الظواهر تدلل بالمدى الذي بلغه التراجع في أداء الوطن العربي في العقود الاخيرة، وبالأخص السنوات القليلة المنصرمة، لكن هذه الحالة مرتبطة بمعطيات دولية وإقليمية تفرض أحكامها على مجمل الواقع العربي، وتفرض حالة التدهور والتراجع والتماسك العربي- العربي. لكن الفكرة العليا التي صنعت الامة وصنعت لها حضارة وسلطاناً في التاريخ تبقى مع ذلك كله حيه في أذهان قسم ولو قليل من أبنائها، فتدفعه إلى استدعائها باستمرار وإلى الحنين إلى ثمراتها.
فحالة التراجع العربي العام التي بلغت ذروتها هذه الأيام تشكل النواه لمشروع عربي تستأنف به الأمة مسيرتها نحو الانتماء إلى حركة التاريخ، مشروع تبني فيه على ما سبق من مكتسبات المراحل السابقة، وتضيف إليه أجوبة تاريخية عن المعضلات الجديدة التي طرحها التطور المعاصر وتحولاته الدراماتيكية وما تشهده المنطقة في السنوات الاخيرة.
وهنا نطرح فكرة استراتيجية الاستقلال العروبية القومية، والتي تقع ضمن تحقيق أهداف خمسة، لاستعادة الدور العربي:
– تحرير الأرض من الاحتلال.
– تصفية القواعد العسكرية الاجنبية.
– مقاومة الهيمنة الاجنبية.
– بناء القدرة الاستراتيجية الذاتية.
– مواجهة المشروع الصهيوني.
بعد أن تراجع مكانة القضية المركزية للأمة، وبدون التمحيص عميقًا، يظهر بالعين المُجردّة أنّ اسرائيل تبدو ظاهريًا وفعليًا، في الوقت الراهن، وكأنها في أفضل وضعٍ من الناحية الاستراتيجية بسبب ما تراه من تدهور في وضع أعدائها التقليديين في محيطها العاصف، لذا يتعين على الامة وقواها الحية ونخبها إدراك خطورة المشروح الصهيوني على مستقبل الوطن العربي ومصيره، وضمنه مستقبل فلسطين ومصير شعبها وقضيته الوطنية وأن تطلق برنامجاً قومياً للمواجهة، مرتكزاً على الاتي: تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني، التمسك العربي بالثوابت القومية.
فكل فكرة مهما تكن سامية، ومهما يكن عمق اقتناع حامليها بأنها لمصلحة الشعب أو الأمة، لا يجوز فرضها بالقوة أو العنف، لكن يتم ذلك بالإرادة السياسية. ومن هنا لم تعد الأمة العربية أمام ترف الاختيار بين ممكنات عديدة، إنها أمام خيارين لا ثالث لهما : إما أن تنهض وتتقدم وتنفض عنها حالة التأخر والتراجع والتقهقر لمشروعها القومي العروبي، وإما ستزيد عروتها تفككاً ونسيجها تمزقاً وفكرتها العربية الجامعة اندثاراً.
الباحث : عضو الشبكة العربية لكتاب الرأي والاعلام