المبادرة الفرنسية بين القبول الفلسطيني والرفض الإسرائيلي
منذ فترة ليست ببعيدة نشهد حراكاً فرنسياً سياسياً تجاه القضية الفلسطينية وصل إلى حد التهديد إن صح التعبير إما بقبول اسرائيل بالمبادرة الفرنسية أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتأتي المبادرة الفرنسية في خمسة بنود وهي “مبادئ لحل الصراع على غرار تثبيت حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 مع تبادل أراض بين الطرفين، وجعل القدس عاصمة مشتركة بين الدولتين، إلى جانب تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال، وعقد مؤتمر دولي للسلام”.
باعتقادي أن فرنسا جاءت بهذه المبادرة لأسباب عدة منها أسباب خاصة بها تتمثل بمحاولتها ايجاد موطئ قدم في المنطقة من خلال هذه المبادرة بشكل مخالف لباقي الدول العظمى التي تضع أقدامها في المنطقة عبر السلاح بحجة محاربة داعش ودعم المعارضة السورية واخرى تدعم نظام بشار الاسد وغيرها يدعم التحالفات التي أسست مؤخراُ في الخليج العربي، وكذلك جسور علاقات المصالح مع بعض الدول العربية كالسعودية ومصر وإيران والعراق وسوريا، اما الاسباب الأخرى فتتمثل في أن العملية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين تشهد حالة من الجمود بسبب التعنت الذي تتبناه حكومة نتنياهو الرافضة لكل المحاولات التي من شانها اعادة الطرفين إلى مائدة المفاوضات، وكما أن للهبة الجماهيرية في الضفة والقدس دور كبير في استنفار المجتمع الدولي للتحرك تجاه ايجاد حل للقضية الفلسطينية حرصاً منه على عدم انفلات الامور وخروجها عن السيطرة الامر الذي سيدخل المنطقة في دوامة عنف يصعب احتوائها، فكان التحرك الفرنسي هو الاول بطرح هذه المبادرة التي رحبت بها القيادة الفلسطينية وترنحت بين القبول والرفض الإسرائيلي وهنا يتضح موقف الحكومة الإسرائيلية بالميول تجاه الرفض لها.
لا شك بأن المتغيرات الإقليمية أثرت بشكل سلبي على مستقبل قضيتنا الفلسطينية وأعادتها إلى المربع الأول لاسيما أن ما يسمى بالثورات العربية كان لها الدور الاكبر في ذلك، بعد أن كان للدول العربية اهتمام بالقضية الفلسطينية تلخص في المبادرة العربية للسلام والتي رفضتها اسرائيل ولم يعد العرب يطرحونها في الوقت الحالي بسبب انشغالهم بما تشهده بلدانهم من فوضى عارمة.
أما بشأن الموقف الفلسطيني والموقف الإسرائيلي تجاه المبادرة الفرنسية نجد أن القيادة الفلسطينية رحبت بشكل سريع بهذه المبادرة وطالبت بعقد مؤتمر دولي للسلام يفضى إلى آلية لتنفيذ انهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على غرار مجموعة 5 + 1 التي تفاوضت حول الملف النووي الايراني، وتقوم القيادة الفلسطينية في هذه الفترة بتحركات دبلوماسية مع مصر على الصعيد الدولي من أجل عقد مؤتمر دولي للسلام ، فالموقف الفلسطيني واضح الملامح، اما الموقف الإسرائيلي فيشهد حالة من التخبط والانقسام فهناك وزراء في حكومة نتنياهو انتابهم حالة من الغضب تجاه الطرح الفرنسي وكانت تصريحاتهم مغلفة بنوع من الاتهام لفرنسا بانها هي التي تقف خلف حملات المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات، أما نتنياهو فكان مستهزئأ بالمبادرة الفرنسية حيث قال هل ستدعو فرنسا داعش لحضور المؤتمر الدولي.
وهنا يمكننا القول بأن الموقف الإسرائيلي لم يكن مفاجئ في حال الرفض لأن اسرائيل رفضت قبل ذلك اواخر 2014 مبادرة فرنسا التوجه باسم الفلسطينيين إلى مجلس الامن لإصدار قرار لوضع إطار لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي أواخر العام الماضي أيضا رفضت اسرائيل مبادرة فرنسا التوجه باسم الفلسطينيين إلى مجلس الامن للاعتراف بالدولة الفلسطينية مع بعض التعديلات وكان كذلك الرفض الامريكي بحجة أن الوقت غير مناسب وهناك الملف النووي الايراني أهم من ذلك.
نلاحظ أن الحكومة الإسرائيلية تعاني من حالة الافلاس السياسي وتعمل على المراوغة من أجل كسب المزيد من الوقت لفرض أمر واقع على الأرض من خلال تماديها في التوسع الاستيطاني في مدن الضفة والقدس، ومن جهة أخرى لا تريد ان تدخل أي دولة أخرى على ملف العملية السلمية غير الولايات المتحدة الامريكية التي ترعاها منذ اتفاق اوسلو.
وباعتقادي يبقى الفلسطينيون هم المستفيدون من الموقف الفرنسي على أسوأ الاحتمالات بناء على ما تقدمت به فرنسا لإسرائيل وهو إما القبول بالمبادرة او الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهذا أمر جيد فإذا قبلت اسرائيل بالمبادرة فبذلك تعود القضية الفلسطينية إلى الصدارة في الساحة الدولية وسيكون هناك حراكاً سياسياً نوعياً، اما إذا رفضتها بشكل رسمي فسيكون اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية له أثر كبير وستكون اول دولة عظمى من الدول الخمس صاحبة الفيتو في مجلس الأمن اعترفت بالدولة الفلسطينية الامر الذي سيجعل أمريكا واسرائيل تعيد حساباتها تجاه القضية الفلسطينية وسيجعل من جهة اخرى دول عظمى اخرى إلى تبني القرار الفرنسي.
بقلم : أحمد يونس شاهين
أمين سر الشبكة العربية لكتاب الرأي والإعلام