رمضان ابوجزر يكتب : بلجيكا و تبعات غزوة باريس الإرهابية

نعيد اليوم وبمناسبة احداث بروكسل مقال نشر ب ” التلغراف ” فى 22 نوفمبر، 2015 للخبير فى الشئون الاوربية : رمضان ابو جزر .

وضعت هجمات باريس الدامية بروكسل في دائرة الضوء العالمية بعد أن اتضح بأن ثلاثة من منفذيها بلجيكيون من حي مولنبيك الواقع في قلب العاصمة بروكسل، وتقطنه غالبية من أصول مغربية يمثلون الجيل الثاني والثالث من المهاجرين.

فضلاً عن أن العقل المدبر لهذه الهجمات (عبدالحميد أبا عود- واسمه الحركي أبو عمر البلجيكي) نشأ في ذات الحي، ثم توجه الى سوريا للانضمام الى صفوف داعش عام 2013، وأعلنت السلطات الفرنسية عن تصفيته في عملية أمنية شمال باريس يوم 19 نوفمبر من هذا الشهر.

وكانت سيارة تحمل لوحة تسجيل بلجيكية استخدمها الارهابيون قد قادت الشرطة إلى مولنبيك، حيث شنت السلطات البلجيكية حملة اعتقالات في الحي طالت شقيق اثنين من المنفذين الذين قتل أحدهما ولا يزال الآخر مطارداً، في حين أفرج عن الأخ المعتقل لاحقاً.

وهذه ليست هي المرة الأولى التي يرتبط فيها حي مولنبيك بقضايا تتعلق بالتطرف والارهاب، فلديها تاريخ طويل من الارتباط بشبكات جهادية راديكالية نفذت أو خططت لشن هجمات إرهابية على التراب الأوروبي، كعملية شارلي ايبدو في باريس مطلع العام الحالي، والهجوم الذي أحبط على متن قطار سريع متجه الى فرنسا في أغسطس الماضي، والهجوم الذي نفذه فرنسي على المتحف اليهودي في بروكسل حيث أقام لفترة في نفس الحي.

ويضم حي مولنبيك مزيجاً سكانياً سواده الاعظم من الجالية التركية والمغربية المسلمة التي تشكل 80%  من سكانه الـ 100 ألف، ويعانون الفقر وارتفاع نسب البطالة الى 40%.

وتعود صلة هذا الحي بالتطرف إلى عقود، فمنذ سبعينيات القرن الماضي قامت بعض الدول العربية بإرسال تمويل لفتح عدد من المراكز الدينية ذات الأيديولوجية السلفية وصلت الآن الى عشرة.

كما أسس بسام عياشي رجل الدين السلفي من أصول سورية وذو ارتباطات بالقاعدة، مركزاً إسلامياً فى مولنبيك عام 1992 تحت اسم “مركز السبيل الإسلامي البلجيكي”، وكان ابنه عبد الرحمن أول جهادي بلجيكي التحق بكتائب صقور الشام في ريف ادلب السورية وقتل بعدها في المعارك، فيما عاد بسام العياشي الى سوريا ليعمل قاضياً شرعياً في أحد المحاكم التابعة تنظيم جهادي.

من جهتها، سارعت بروكسل مدفوعة بالحرج إزاء اتهامها بالتقاعس عن محاربة الارهاب وأنها باتت بيئة حاضنة له، الى اتخاذ جملة من التدابير الأمنية للتصدي للإرهاب والتشدد على أراضيها، وترتكز هذه الإجراءات على أربع محاور:

–  محاربة التطرف

–  احتواء ظاهرة الجهاديين.

– توفير موارد للجهات الأمنية والعدلية.

– الانخراط في الجهود الدولية للتصدي لتنظيم داعش.

وفي التفاصيل، تشمل التدابير الأمنية:

–  تشديد الرقابة الأمنية على حدود الدولة.

–  تخصيص 400 مليون يورو اضافية لعام 2016 تعزيزاً للأمن ومكافحة الإرهاب.

–  نشر 520 جندي في الأماكن الحساسة.

– إجراء مراجعة للقانون الأساسي البلجيكي بما يسمح لأجهزة أمن الدولة الحصول على تقنيات جديدة من ضمنها تقنيات تحديد الصوت، كما أقر توسيع صلاحيات مراقبة هواتف المشتبهين.

– تعديل القانون بما يسمح بالشروع في مداهمات أمنية على مدار الـ 24 ساعة، بدلاً من القانون الساري الذي يمنع المداهمة بين الساعة 9 مساءاً و 5 صباحاً.

–  تمديد مدة الاحتجاز على ذمة التحقيق من 24 ساعة الى 72 ساعة في القضايا المتعلقة بالإرهاب.

–  اعتقال الجهاديين لعائدين من سوريا حال عودتهم.

–  فرض رقابة منهجية على بيانات المسافرين جواً أو براً عبر القطار السريع، دون انتظار اقرار مشروع تبادل بيانات المسافرين على المستوى الأوروبي.

– فرض الاقامة الجبرية على الأئمة ورجال الدين الذين ينشرون خطاب الكراهية.

–  وضع سوار الكتروني للمشتبهين والمسجلين لدى دوائر تحليل المخاطر الأمنية.

–  اغلاق جميع أماكن العبادة والمساجد غير المرخصة التي تنشر الفكر المتطرف.

–  حظر بيع بطاقات الهواتف مسبقة الدفع.

–  فحص دقيق للمتقدمين بطلبات عمل في مواقع حساسة.

– اغلاق مواقع الانترنت التي تنشر خطاب الكراهية.

– اعادة تقييم القوانين المتعلقة بحالة الطوارئ بهدف إدخال بعض التعديلات التي تخول فرض إجراءات مؤقتة واستثنائية لضمان سلامة المواطنين.

– المشاركة بشكل أوسع في الجهود الدولية ضد تنظيم داعش، إذ تعتزم طائرات حربية مقاتلة بالتنسيق والتناوب مع نظيراتها الهولندية شن ضربات عسكرية على معاقل التنظيم.

من وجهة نظري التحليلية بناءا على ما سبق ارى ان :

– سلطت اعتداءات باريس الضوء على مدى الخطر الذي تمثله الشبكات الجهادية البلجيكية، وبدا حي مولنبيك عصباً مركزياً للعمليات الجهادية الارهابية وقاعدة للإسلام المتطرف، ذلك أن للسلفية الجهادية تأثير كبير على جيل من الشباب المحبط بسبب واقعه الاجتماعي والاقتصادي للانزلاق الى مستنقع التشدد والتطرف.

– لعل أحد أبرز أسباب اخفاق بلجيكا في احتواء الارهاب بشكل فاعل هو طبيعة تركيبة الدولة الفيدرالية وغياب مركزية القرار، ما من شأنه أن يجعل التنسيق بين أجهزتها الأمنية المتعددة أمراً في غاية الصعوبة، وفي بعض الأحيان قد لا يتم تمرير معلومة استخبارية هامة سواء على المستوى الداخلي أو للدول المجاورة.

– أوروبياً، هنالك قلق متصاعد من تأثير تنامي الارهاب على اتفاقية الشنغن التي تسمح بحرية التنقل بين الدول الأعضاء، فحرية الحركة تمنح غطاء  للإرهابيين للتنقل بسهولة والعودة من سوريا دون رقابة، وكذلك الأمر بالنسبة لعمليات تجارة السلاح غير المشروعة والتي تعد بروكسل مسرحاً لها.

رمضان ابو جزر – بروكسل

خبير في الشئون الأوربية

شكرا للتعليق على الموضوع