شوقي العيسه يكتب : ظاهر العمر الفلسطيني

ظاهر العمر الزيداني من طبريا، شكل ظاهرة مميزة في التاريخ الفلسطيني لم تحظ بالدراسة والاهتمام الكافي. كان اول من شكل دولة فلسطينية مستقله الى حد كبير، عن الاحتلال التركي استمرت نصف قرن تقريبا .

في القرن الثامن عشر لم يستطع ظاهر العمر تحمل الظلم والقهر واهانة الكرامة التي يقوم بها باشاوات الاحتلال التركي ضد المواطنين الفلسطينيين ، فثار عليهم ، وبدأ يحكم المدينة تلو الاخرى ويخلص المواطنين من جبروت ونهب وظلم الاتراك. لم يكن لينجح في ذلك لولا دعم الشعب له ، ولم يكن الشعب ليدعمه لولا انه رسخ بينهم العدل والكرامه والازدهار والامن ، كان عادلا الى ابعد الحدود وطبق المساواة على كل ابناء الشعب بغض النظر عن الدين والمكانة الاعتبارية والاقتصادية ، وقسى على اولاده واخوته حين ظلموا الناس .

” وضع ظاهر مجموعة من القواعد لتنظيم وتسهيل حياة الناس ، فاذا باع تاجر بضاعة ، ولم يكن لدى الشاري مالا، يدفع ظاهر عنه ، وحين يتوافر المال مع الشاري يأتي ويدفع لظاهر، وبذلك اوقف ظاهرة الربا وظاهرة البلص، حيث يأخذ الاقوياء من الضعفاء ولا يدفعون لهم. كما امر الولاة باقراض كل فلاح لا يستطيع زراعة ارضه بسبب ضيق اليد، ودون فوائد. ومنع الولاة من ان ياخذوا اي مال اضافي زيادة عن الميري، واعلن انه سيعلق كل من ياخذ رشوة من قدميه، ولو كانت الرشوة قرشا ، وانذر الولاة : اذا ما نهب عابر سبيل في اقاليمهم ، ولم يعرفوا الفاعل ، فالوالي يدفع للمنهوب كل ما سرق منه . ” من حواشي قناديل ملك الجليل ل ابراهيم نصر الله .

حاول سلاطين اسطنبول اخضاعه بالحروب المتتالية ولم يستطيعوا ، حيث كان على درجة عالية من الحنكة والذكاء السياسي والعسكري . واقام تحالفات محسوبة ودقيقة مع امراء من المحيط وحتى مع دول ما وراء البحر المتوسط ، وحصن المدن بالقلاع والاسوار مثل عكا التي كانت مركزه وكذلك طبريا التي بدأ منها وصمد فيها امام حصارالجيش التركي، وطور مدينة حيفا ووسعها. اقتنع الاتراك انه لا يمكن هزيمته بالحروب ، وان الطريقه الوحيدة هي من الداخل ، وعملوا طويلا على ايجاد خونه من المقربين منه . الخيانه هي ما مكنهم منه واعادة احتلال فلسطين . ولكن التاريخ دائما يعطينا العبرة تلو العبرة ، فالخائن الذي حمل رأس الشيخ ظاهر الى الباشا التركي ، قام الباشا بقطع رأسه بنفسه ، بعد ان قال له خنت من عملت معه عشرات السنين وكان خير القائد، لذا لا تستحق الحياة .

الشيخ ظاهر حارب وفاوض وبنى دولة عدل في فلسطين يحكمها الفلسطينيون، تجربة يجب ان تدرس بكل تفاصيلها في مدارسنا وجامعاتنا . مع الاسف يعرف طلابنا عن احمد الجزار اكثر مما يعرفون عن ظاهر العمر ، مع ان هذا الجزار البوسني الموطن (ليس فلسطينيا) من الذين تآمروا مع الاتراك ضد الشيخ ظاهر وحكم عكا بعد ظاهر العمر كوالي تابع لتركيا .

كل الاحترام والتحيات ل ابراهيم نصر الله الذي كتب بابداع مبهر ملحمة قناديل لملك الجليل تخليدا للشيخ ظاهر العمر الزيداني .

شكرا للتعليق على الموضوع