الرجل الذي كان يرى “قصة قصيرة”

المرة الأولى التي حصل فيها معي ذلك ، صدمت صدمة رهيبة.

لم أعِ أن الأمر حقيقي ، على الأقل من حيث إمكانية حدوثه في المستقبل ، أو في الماضي!

كان العجوز يحاول بصعوبة أن يعبر إلى الجانب الآخر من الشارع المزدحم بالسيارات وزعيق الناس .

لم يكن من عادتي أن اقتطع من وقتي المحموم ، لألتفت إلى ما يمكن أن أفعله من حولي.

لكنني في ذلك اليوم ، قررت أمراً آخر.

وصلت إلى العجوز وأنا أحمل حقيبتي الجلدية بيد ، وأضع يدي الأخرى في جيبي ، بارزاً أناقتي بشكل واضح.

– ” دعني أساعدك “، قلت له وأنا أبتسم كأنني أقوم بأمر عادي بالنسبة إليَّ.

– ” شكراً لك ” قالها بتقدير . ” يقودون كالمجانين في هذه المدينة وكأنهم لن ينتهوا كما انتهيت أنا “.

صفعتني العبارة بشدَّة وسط تيارات مشاغلي التي تتقاذفني من كل جانب.

انتبهت إلى أنني لم ألتفت بعد إلى وجه العجوز، وكأنه صندوق خشبي ، همي أن أنقله من مكان إلى آخر.

كنت أحيد بنظري دائماً عن وجه المسنين ، وتجاعيدهم، وحركتهم البطيئة ، وأسنانهم المخلّعة . لم يكن واقعياً بعد بالنسبة إليَّ أن الرحلة ستدور بي في دوائرها ، وتمتص في عبورها جمالي ، وحركتي ، وكثيراً من الأحلام والطموحات.

نظرت إلى وجهه لأشجِّعه على الثقة بالحياة ، حتى في لحظاتها الأخيرة ، فحدث معي ذلك الشيء الرهيب!

وجدتني منجذباً إلى عينيه بقوة لا تقاوم ، وكالريح ، عبرت داخل وجهه في نفق مشع ينبض بآلاف الصور والمشاهد كل لحظة ، حتى شعرت أنني ألامس أطراف روحه العارية أمام عيني كأنها ولدت للتو .

كل ذلك ، والأحاسيس لم تنقطع ، والصور الحيَّة تحصل من جديد . كلها تحدث معاً . كل لحظة في حياة هذا الرجل ، وكل مشهد وشعور وحدث.

ثم طغى مشهد واحد ، مليء بالحياة والواقعية تماماً كما ألمس في هذه اللحظات سطح الأوراق وأتحسَّس بياضها وحضورها.

شاهدت شاباً صلباً كجذع الزيتون يداعب النسيم شعره المتراقص ، وهو يقود سيارته بثقة كأنه يملك القدر في قبضتيه.

والى جانبه عجوز حزين مستسلم لنهاية الأشياء ، وعيناه فارغتان من أي بريق.

خاطب العجوز ابنه قائلاً :

– ” هل ستزورني باستمرار ، كما وعدت ؟”.

– ” طبعاً يا أبي . لقد سألتني هذا السؤال عشرات المرات هذا اليوم. لا تقلق ، سيهتمون بك هناك أكثر مما افعل أنا “.

– ” وأنت هل ستزورني ؟”.

هكذا تكرَّر السؤال والجواب ، إلى أن ركن الشاب سيارته أمام دار العجزة ، وأودع أباه المتعب داخل غربتها ، ووقَّع على بعض الأوراق ، وغادر مسرعاً.

ومنذ ذلك اليوم ، كانت جملة واحدة تتكرَّر على شفتي العجوز ، وحفظها كل من في الدار :” وعدني ابني أنه سيزورني، وهو اليوم سيأتي”. ولكن المرَّة الوحيدة التي أتى فيها ثانية ، كانت لتوقيع بعض الأوراق بعد وفاة والده.

لم يكن منطقياً بالنسبة إلى الشاب ، أن يرعى جسداً منهكاً على حساب نشاطه المتخم بالمشاريع والمحطات .

العجزة باتوا خارج الحياة بالنسبة إليه.

لكنه اليوم يتذكر ، وأنا شاهدت ذكرياته كأنني جزء حيٌّ فيها.

ومع ذلك ، لم أفهم ما يجري ، ولم أدرك أن شيئاً ما فيَّ تغيَّر إلى الأبد.

وكأن الأحداث تشاء أن تنشِّئني فوق نار ملتهبة ، وصلت إلى عملي شارد الذهن ومبللاً بالحزن .

لا أعرف ما الذي اهتزَّ في داخلي ، لكنني شعرت أن أعماقي ترتجف ، دون أن تكون لي القدرة على تهدئتها.

كان مديري في العمل عصبياً بالعادة ، ولم يكن في ذلك النهار مختلفاً.

أعمل محاسباً بسيطاً في شركة موزِّعة للأغذية. طالعني فور وصولي بوجه مستاء ، يشعرك أن صاحبه مظلوم من كل ما في هذه الدنيا ، وانك أنت أحد جلاديه.

– ” هل دققت جيداً في جردة الأمس ، أم كنت مستعجلاً للعودة إلى أحضان زوجتك؟”، بادرني بحدة جعلتني متوثباً خلف دفاعاتي الفطرية .

–  “ولكنني لست متزوجاً “، أجبته وأنا اظهر علامات الصدمة المبكرة .

– ” أتمزح في هذا الصباح ، وقد كدت تورطني مع المدير العام ! هناك حسابات منطقة بأكملها ، لم تدخلها في جردتك الفظيعة . هل ترى أننا هواة هنا ، أم ماذا ؟”.

– ” لكن هذه الحسابات ظلت فوق مكتبك بالأمس ، ولم تسلمني إياها”.

– ” لا ، لم يبقَ شيء فوق مكتبي . أراهن أن نظرك بات مشوشاً كالعجزة “.

فجأة ، اختفى المدير من أمامي ، وطار جسدي كالبرق في عالم آخر . رأيت طفلاً يبكي بحرقة وفزع تحت وقع صفعات أبيه المدوية ، ويحاول الدفاع بيديه العاجزتين ، وهو يزفر كلامه من شفتيه المرتجفتين:

– ” سأنجح في المرة المقبلة . سأنجح ، أرجوك . بابا ، توقف عن ضربي. لن العب بعد الآن . سأنجح ، أرجوك “.

والأب يغلي كالمرجل ، لأن ابنه رسب في مدرسته ” كالحمار ” للشهر الثالث على التوالي.

أشفقت على هذا الطفل ، بكل ما ينطوي عليه كياني من شفقة. ولمست ثقته بذاته تتصدَّع في داخله ، فيكتسب ، غطاء لها ، نزعة دائمة إلى السخرية من الآخرين ، وشخصية عصبية يواجه بها الحياة .

عدت إلى ذاتي ، لا أعلم كيف ، ونظرت إلى الرجل الواقف أمامي نظرة حب وتفهم ، وخاطبته قائلاً :

– ” سأدقق في أوراقي من جديد ، ربما نظري كان مرهقاً بالأمس “.

غادر وأنا اشعر أن أعصابه ارتخت قليلاً ، وكذلك أعصابي . كان المشهد البديل لهذا الحوار يمكن أن يدور بسهولة ، على وقع الصراخ وتبادل الاتهامات والخصام ، وقد حدث ذلك مراراً .

عاد المدير بعد قليل يحمل إليَّ رزمة صغيرة من الأوراق ، قال إنه وجدها بين أوراقه المكدَّسة ، وكانت تحمل بالطبع الحسابات المفقودة.

– ” من السهل أن نخطئ ” قال مرتاحاً.

– ” صحيح ، لذلك حاولت أن أفتش بين أوراقي عما ينقص من جردة الأمس “.

هل بتُّ قديساً ؟ رحت اسأل نفسي ساخراً . تخيلتني ملاكاً يحوم بجناحيه المضيئين فوق سهول ربيعية تلعقها الشمس بحنان.

ما الذي يجري ؟ لم اسكت مرة واحدة أمام أي تهجم أو طغيان ، حتى لو شعرت أن ردِّي قد يهدد عملي ، أو علاقتي المزمنة بأحدهم. كيف حدث أنني تساهلت مع مديري وهو المخطئ؟ ومن هو ذلك الطفل الذي شاهدته خائفاً ومحطماً تحت صفعات والده المدوية ؟

لم أكن افهم كثيراً في علم النفس ، ومع ذلك عرفت أنهم يتحدثون عن طفولة الإنسان كمصدر لشخصيته الحالية . المخاوف ، والطيبة ، والالتزام بالمثل ، والعنف ، والرقة ، والكذب ، وحتى الميول الجنسية المنحرفة ، كلها تنحدر إلى الحاضر من نفق ماضي الإنسان والأحداث التي عاشها في طفولته. هذا ما سمعته . وقد اختبرت طبعاً بعض الأمور المماثلة في نفسي ، وفي الأشخاص من حولي . ومع هذا ، لم أكن اهتم بذلك. لم تعينني هذه المعرفة في التعامل بشكل أفضل مع الآخرين . كانوا يخطئون وأنا أحاكمهم . يكذبون ، فلا أعود أرى فيهم إلا صورة الكذب والخداع. أفتش عن مصالحي من دون أي اعتبار لطموحات شخص يحاول أن يتسلق سلماً ما ، ويفشل. وقد يكون وجودي هو سبب فشله.

لا ، لم أكن شخصاً سيئاً ، كما يتبادر الآن إلى أذهانكم. كنت شخصاً من هذا المجتمع الذي تربيت فيه ، ومن هذا العالم الذي يقطع اللحظة الحاضرة عن سياقها الماضي ، وعن إمكانات المستقبل ، ليعيش فيها ، ويحكم من خلال أحداثها ، وغالباً ما يكون الحكم قاسياً ومحبطاً.

ثم حدثت معي أمور أخرى، أكثر غرابة من أحداث هذا النهار السوريالية ، إلى أن تكوَّنتُ إنساناً آخر. وبت ما أنا عليه اليوم .

وكانت نهاية الأشياء وبداياتها هي الأمر الغريب الذي يخطفني ، وينحت في شخصيتي ، ويولِّد فيَّ حساً بالرحمة.

نعم ، الرحمة هي الكلمة التي كنت ابحث عنها لأخبركم عني.

ماذا تعني الرحمة ؟ لكم أن تفهموا من خلال روايتي لما كنت ” أراه ” في الماضي أو في المستقبل.

لم تخطئوا القراءة ، قلت ” في المستقبل ” لأن النفق الذي كنت أعبر فيه من وجوه الآخرين، كان يقذفني مرات إلى ماضيهم ، ومرات أخرى إلى المستقبل.

كيف عرفت أنه المستقبل ؟ لا يمكنني أن اشرح لكم ذلك ، لكنني مع الوقت ، أيقنت بصورة قاطعة أن ما تراه عيناي هو المستقبل يحدث أمامي ، وأنا في وسطه.

شاهدت صديقاتي الجميلات يذبلن على قارعة الحياة.

منى الباهرة بوجهها المشع ونهديها العارمين التي لم تسعَ يوماً إلى إخفاء إطلالتهما المثيرة ، حتى بات الجميع يشتهيها، وكانت تجرؤ دائماً على إبراز المزيد بخفة عاهرة رخيصة في زقاق مظلم. منى التي لقّبها الشباب من حولها منذ زمن بعيد ب ” أم بزاز ” ، وهي كانت تعمل معي في الشركة نفسها ، وكثيراً ما كان الحديث يحوم بنا حول الاستيهامات الجنسية والمتعة والشهوة. منى التي لم تتزوّج بسبب جمالها ، وجرأتها في عرض جسدها ، نظرتُ مرَّة إلى عينيها نظرة مختلفة بعدما خضّني ذلك النهار الذي ساعدت فيه العجوز على عبور الشارع. وفجأة أحسستُ بي أسقط في بعد آخر يمحو أيَّ وجود من حولي ، لأعبر وسط مشاهد متوالدة بسرعة البرق . وأستقرَّ سقوطي أخيراً فوق بقعة خافتة الأضواء ، تحتلها امرأة متقدمة في العمر ، تقف عارية تماماً أمام المرآة. لم يكن جسدها قد ترهّل تماماً ، ولكن بدا واضحاً أن الزمن قد خلَّف آثار عبوره فوقه. ومع ذلك ما زال يحتفظ بأناقة ماضية ، على رغم انكسار الثديين وهبوطهما الحاد.

سمعت المرأة تخاطب نفسها في المرآة :

” من يهتم بي بعد اليوم ؟ من يهمّه نهد فقد إطلالته وشموخه؟ مرَّ العمر بغفلة وأنا أشتري بجسدي اهتمام الآخرين ، فيما كنت أسعى إلى عاطفة صادقة ، وشعور دافئ يتخطّى واجهة الجسد لأفتح له كل كياني وأسكب عطري الثمين تحت قدميه.

نعم ، كنت جبانة وفاقدة الثقة بذاتي. لماذا لم افهم نفسي قبل اليوم ؟ لماذا لم اعترف سابقاً؟ هل كانت أمي هي المسؤولة؟ أحببتها حتى العبادة والخوف ، وأحاطتني هي كقشرة تحضن الثمار . لكن شيئاً واحداً من كلامها كان يتردَّد دائماً في داخلي كالمنجل. ” البنات عقلهن فارغ ، والرجل لا يسعى إلا إلى الجسد “.لا أعرف إذا كنت آمنت بفراغ عقلي، لكنني وجدت نفسي يوماً بعد يوم لعبة الإغراء والجسد المفتوح أمام المغامرات . كان ذلك يسعفني على الفرح والثقة بنفسي ، لكنني في خلوتي كنت اشعر دائماً بسقوطي في فراغ بلا قعر. أشدُّ على تعاستي وغربتي وأنام، لأستيقظ لعبة من جديد. وكثيراً ما كنت أسيء تفسير نظرات الشهوة ، وأظنها نظرات تقدير واهتمام وإعجاب. وكلما زاد توقي إلى حضن دافئ أرخي فوقه دوامتي وحاجتي الإنسانية إلى العطف والرعاية ، كلما أمعنت في بذل جسدي. يا لمقدار سخافتي التي لم تنكشف لعينيَّ إلا بعد فوات الأوان! يا لتعاستي ووحدتي وانكساري ! أيتها الحياة الجميلة ، لماذا تخليت عني طويلاً فوق دروب الضياع ؟ لماذا سمحت لفكري أن يتخدَّر طويلاً ولسكين أمي أن يمزِّق ثقتي ونضجي وأعماقي الصافية ؟

أنا اليوم مجرد وجه مشوَّه، وثقل فظيع يتنقل بلا روح فوق رصيف الحياة حتى يتهاوى ترابه فوق التراب.

لم يدخل أحد يوماً إلى أعماقي ، الأعماق الحقيقية التي مازالت أرضها عذراء تشتهي قبلة حب تخصِّبها لتنبض بالحياة “.

شاهدت وسمعت هذه المناجاة لجسد عار أمام المرآة ، قبل أن يختفي كل شيء، ويظلم المسرح ، وأعود إلى عيني منى المشرقتين أمامي.

شعرت فجأة بعاطفة كبيرة نحوها ، وبحنان أم مشتاقة إلى ضم رضيعها إلى صدرها . سألتها :

– ” منى ، لماذا أنت حزينة اليوم ؟”.

– ” أنا ؟ لست حزينة أبداً ، ما الذي أوحى إليك بذلك ؟”.

حقيقة ، لم يبدو الحزن على وجهها ، بل بالعكس كانت تبدو ضاجة بالحياة والحضور.

– ” لا اعرف ، لديَّ شعور قوي بأنك لست سعيدة في الحياة “.

صمتت لوقت قصير وهي تحدِّق في وجهي.

– يبدو كلامك اليوم مختلفاً ” ، قالت لي .

– ” أجل ، فأنا اليوم مختلف “.

– ” ماذا تعني ؟”.

– ” أعني أنني اشعر أنني أعرفك منذ زمن بعيد . ولن تصدقي ماذا اعرف عنك “.

– ” هل تغازلني؟”.

– ” لا ، هذه المرَّة الوحيدة التي أكون فيها صادقاً معك “.

– ” أنت تصدمني بكلامك هذا “.

– ” منى ، لماذا لا تحدثينني عن نفسك ؟”.

– ” هنا ، في مكان العمل !”.

– ” لا ، في الخارج “.

لم يتواصل الحوار أكثر من ذلك ، لأنني استيقظت فجأة من النوم . مخضوضاً ، مبهوراً ، وحائراً ، وجدتني أنهض متثاقلاً من فراشي. كل الصور ظلت حيَّة في مخيلتي ، على رغم أنني عادة لم أكن اشعر حتى أنني كنت احلم.

جلست بهدوء أتأمل بهذا الحلم الغريب الذي انتهى فجأة في منتصف الحوار مع زميلتي في العمل منى. نعم ، كنت اشتهيها ، ويبدو أن هذه الشهوة انتقلت إلى أحلامي. هل كنت أوبخ نفسي على ذلك؟ هل هي رسالة بأن عليَّ أن انظر إليها أكثر كإنسانة متكاملة، وليس كمتنفس للرغبة فقط؟

تهت خلف تحليل هذه الأفكار ، قبل أن أتذكّر مسألة الغوص في نفق يعبر بي إلى ماضي الأشخاص أو مستقبلهم.

ابتسمت لقدرة المخيلة والحلم على الابتكار ، لكن كلمة ” الرحمة ” سطعت فجأة في تداعيات أفكاري. قلت في نفسي ” ليت في مقدور الإنسان أن يكشف حقاً عن ماضي الناس أو مستقبلهم ، فربما بذلك يصبح أكثر تفهماً لتصرفاتهم ، وأكثر رحمة لنـزواتهم وأخطائهم وقسوتهم. إذا عرفت أن هذا المتسلط اليوم أمامي ، سيصاب غداً بمرض “الزهايمر”، ويبدأ بالتبول في ثيابه ، فربما أصبح اقل تشنجاً في حضوره ، وأكثر رأفة به.

صحيح ، هذه فكرة جميلة. يا له من حلم غريب عجيب. ومع ذلك ، نبض الحاضر وأحداثه وتفاعلاته الضوئية هي التي تحتلُّ حياتنا ، ونهمل في هذا المرجل البحث عن جذور ما يحدث ، أو عما يمكن للإنسان أن ينتهي إليه.

ليتني اقرأ الماضي كما أشاهد الحاضر بعينيَّ العاريتين. وليتني أرى المستقبل لأصبح أكثر رحمة “

ظلَّ الحلم يتلبَّسني طيلة الوقت الذي كنت أتحضر فيه للتوجه إلى العمل. أنهيت طقوس الصباح، وخرجت من المنـزل وفكري ما زال منشغلاً بالتحليل . حين وصلت إلى الرصيف حيث كنت اركن سيارتي ، لمحت عجوزاً يحاول بصعوبة أن يعبر إلى الجانب الآخر من الشارع المزدحم بالسيارات وزعيق الناس . استغرقني الأمر برهة وجيزة ، قبل أن اشعر بانخطاف أنفاسي من شدة الصدمة.

كان هو نفسه العجوز الذي شاهدته في حلمي الغريب.ودوّى بقوة في رأسي مشهد الشاب الصلب كجذع الزيتون وهو يودع أباه في دار العجزة، ثم مشهد الطفل المنكسر تحت وقع صفعات أبيه ، ثم صوت والدة منى وهي تقدم حكمتها لابنتها :” البنات عقلهن فارغ ، والرجل لا يسعى إلا إلى الجسد “.

ووسط تساقط هذه الصور أمام عينيَّ، وجدتني أتقدَّم بضع خطوات إلى الأمام.

الكاتب والاديب سمير فرحات
الكاتب والاديب سمير فرحات

 

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *