مصطفى جودة يكتب : الغروب الثانى للإمبراطورية

الثالث والعشرون من يونيو 2016، هو أحد أيام التاريخ التى لن تنسى بلا أدنى شك على مستوى العام كله، ذلك اليوم الذى قررت فيه بريطانيا الخروج من الإتحاد الأوروبى بنسبة تقارب52% من سكانها. هو كابوس ستتبعه كوابيس أشد وأنكى وهو يوم غروب ثانى للإمبراطورية التى كانت لا تغرب عنها الشمس، وهو إنكماش سريع مؤلم لا يقل فى حجمه عن رحيلها عن المستعمرات التى كانت تحتلها.

عملتها تترنح: فى يوم واحد فقد الجنيه الإسترلينى أكثر من 10% من قيمته وهو مالم يحدث منذ 1985، كما أن البورصة الإنجليزية خسرت 122 بليون جنيه إسترلينى بمجرد ظهور نتيجة الإنفصال والبقية ستأتى فى تعاملات الجمعة الرابع والعشرين من يونيو 2016. المملكة المتحدة تتصدع، لأن سكوتلندا وهى أحد مكوناتها الأساسية ترغب فى الإستمرار فى الإتحاد الأوروبى، وبالتالى وحتما ستنفصل عن المملكة المتحدة. إيرلندا الشمالية أيضا لا ترغب فى ترك الإتحاد الأوروبى لأنه يدعمها إقتصاديا بمبالغ كبيرة وفعلا هناك أصوات بدأت تعلو وتدعو للتقارب مع ايرلندا الجنوبية.

ما حدث كان عكس حلم تشرشل فى رؤية أوروبا متحدة. ما حدث هو تبيان المقولة التى قالها هنرى فورد مؤسس شركة فورد الأمريكية العملاقة:” لا تصلح ما ليس بمكسور”.

نعم كانت هناك مشاكل فى الإتحاد الأوروبى ولكنها مشاكل لا تحتم الطلاق هكذا. إنها تشبه طلاق زوجين بسبب أن واحدا منهم يحب الكشرى بشطة والآخر كشرى بدون شطة!!!.

إنتصرت القوة الدافعة للإنفصال، ونفذت الضربة الموجعة، وتغيرت وستتغير بريطانيا للأبد مثلما غيرتها حركات الإستقلال لمستعمراتها، وستنكمش كثيرا مثلما إنكمشت أول مرة. هذه المرة تتأتى القوة الدافعة للتقويض من الداخل. دائما تكون نهايات القوى الكبرى من الداخل وليس من عدو خارجى يتربص بها الدوائر.

نجحت القوة الدافعة للإنفصال فى تزيين أساليب براقة للناخبين من خلال النعرات القومية وكراهية الأجانب، والمساهمة الإنتخابية الكثيفة لكبار السن ممن شهدوا بريطانيا لا تغرب عنها الشمس، ويرونها حاليا ضعيفة ظنا منهم أن الأجانب هم السبب فى ذلك.إنها دعوة تشبه بالضبط دعوات ترمب النازية، وفى تبنى وعود خيالية لا تستند الى الحقيقة لإقناع 52% البريطانين بالرحيل عن الإتحاد الأوروبى بزعامة نيجل فاريج  بشعار أساسى مفاده أن بريطانيا تخسر أسبوعيا مبلغ قدره 350 مليون جنيه إسترلينا نتيجة وجودها فى الإتحاد الأوروبى، (وهو ما أنكرته هيئة الإحصاء البريطانية)، وأن الإتحاد الأوروبى سيستمر فى دعم الفلاحين حتى سنة 2020.

بعد إنتصار الإنفصاليون، الكل يجمع أنه لا أحد يدرى ماذا سيحدث فى الأيام القليلة القادمة. حتى المنادون بالإنفصال لا يدرون شيئا عما سيحدث .

بعد ظهور النتيجة بساعات أعلن رئيس الزراء البريطانى ديفيد كاميرون إستقالته كرئيس وزراء بريطانيا، وأنه سيترك منصبه فى أكتوبر القادم، مناقضا ما قاله قبل التصويت بأنه لن يترك منصبه فى حالة فوز الداعين للإنفصال.

كل الحركات المحافظة فى أوروبا بدأت تطالب دولها بالرحيل عن الإتحاد الأوروبى والذى فيما يبدو أكثر هشاشة مما كان العالم يظنه. زعيمة حزب الجبهة القومية الفرنسية قالت أن الوقت قد حان ليختار الشعب الفرنسى الرحيل أيضا.ويمينيون معارضون لهجرة الأحانب  فى هولندا  يطالبون بإجراء إستفتاء شبيه بالإستفتاء البريطانى والرحيل عن الإتحاد الأوروبى. والرابطة الشمالية الإيطالية تتبنى شعار:” لقد حان دورنا فى الإنفصال”.

بريطانيا تبدو كهيروشيما بعد إلقاء القنبلة الذرية عليها، وبقية أوروبا مثل بقية اليابان .

ما حدث لا يقل عن مشاهدة منظر شبيه بنهاية حرب عالمية.

ستشهد بورصات العالم  الجمعة التالى للإستفتاء، وخصوصا البورصة البريطانية زلزالا قدره 9 درجات على مقياس ريختر.

مصطفى جودة

الجامعة البريطانية فى مصر

شكرا للتعليق على الموضوع