محمد خضر يكتب : قضية الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث (2)

الرسالة الثانية  تحت عنوان (نظرة في قانون الصدفة وايديولوجيات العشوائية في الخلق) 

ان نظرية الانفجار العظيم جاءت بحقائق ثابته، فالنظرية تقر بعدم ازلية الكون، وتثير تساؤل كبير وهو من اين جاءت المادة الاولى التي تكون منها هذا الكون العجيب، فمن المستحيل ان تلعب الصدفة دورا فى كيفية خلق الكون وبدايته وفى تشكله وتكوين النجوم والمجرات والكواكب والقوانين التي تحفظ الكون وتحكمه والتى لو اختلفت بنسبة ضئيلة جدا تكاد لا تذكر، لاندثر الكون وتدمر، وقد زعم البعض بان الكون قد خلق صدفة وزعموا ايضا ان نظرية الانفجار العظيم تدعم هذا الرأي ولكن لبعض العلماء رأى اخر ومنهم العالم روجر بنيروز وهو عالم الرياضيات البريطاني الشهير، وتساءل بنيروز حول احتمال حدوث الكون صدفة وبطريقة تجعل من ظهور الحياة أمر ممكنا، وقام بأجراء حسابات تبين احتمال نشوء الكون إلي أن يفضي إلى إمكانية نشوء الحياة صدفة وهو 1 مضروب 10 أسس 10 أسس 123، إن عبارة “من غير المحتمل ” غير كافية لوصف هذه النتيجة ،  وقد قام بهذا محاولا حساب هذا الاحتمال بما في ذلك ما اعتبره جميع المتغيرات المطلوبة لوجود حياة الإنسان على كوكب مثل أرضنا، وكذلك حساب احتمال هذه البيئة وفقا لجميع الاحتمالات الممكنة والتي يمكن أن تنتج عن الانفجار الكبير.

 

من الصعب تخيل ما يعنيه هذا الرقم في الرياضيات، ولو حاولنا فقط فهم معني قيمة 1 إلي 10 أسس 123 تعني 1 متبوعا 123 صفر، وهذا بالمناسبة أكثر من العدد الكلي للذرات والتي يعتقد بأنها موجودة في الكون 10 أسس 78، لكن احتمال بنيروز هو أكثر بكثير من هذا حيث انه يتطلب 1 متبوعا 1230 صفر، ومن الناحية العملية، فأن الاحتمال 1 إلي 10 أسس 50 هو ” الاحتمال الصفري ” وعدد بنيروز هو أكثر من تريليون تريليون تريليون مرة، وباختصار، عدد بنيروز يظهر بأن نشوء الكون من قبيل الصدفة هو أمر مستحيل.

اذا كان الاحتمال 10 أسس 50 يؤول إلي الصفر فكم مرة علي هذا سيؤول احتمال بنيروز إلي الصفر، الإجابة ببساطة لنقسم احتمال بنيروز علي 10 أسس 50 = 10 أسس 1180 مرة وهذا الرقم بالطبع كارثة حقيقية بكل المقاييس يعني لو كان الاحتمال يؤل مرة واحدة للصفر لقلنا كفي لكنة يؤل إلي الصفر بقيمة واحد وعلي يمينه 1180 صفر.

ولكن ليست التوقعات وحدها كافية لأثبات ان الكون لم يخلق صدفة وان هناك اله قادر منظم ومدبر، إن معارضي حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى خالق ومدبر امر هذا الكون العجيب عاجزون عن أن يجدوا رمزا أو إشارة لمنظم ومدبر، فإذا بهم يرون ان كل هذا جاء بالصدفة.

  قال احد العلماء ان من يؤمن بقانون الصدفة في الخلق فهو يؤمن بتكون طائرة بوينج 747 عن طريق الصدفة نتيجة هبوب عاصفة على محلات لأدوات الخردة.

وقال اخر ويدعى العالم (هكسلى ):

” لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة ، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء ، ظلت تدور في المادة لبلايين السنين “.

 إن أي كلام من هذا القبيل هو لغو مثير بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان، فإن جميع علومنا تجهل -إلى يومنا هذا- أية صدفة أنتجت واقعا عظيما عجيبا كأبسط مخلوق في الكون، فنحن نعرف بعض الصدف وما ينشأ عنها من آثار فعندما تهب الرياح تصل حبوب اللقاح من وردة حمراء إلى وردة بيضاء ، فتأتى بوردة صفراء، هذه صدفة لا تفسر قضيتنا إلا تفسيرا جزئيا استثنائيا  فإن وجود الوردة في الأرض بهذا التسلسل، ثم ارتباطها المدهش مع نظام الكون لا يمكن تفسيره بهبة رياح صدفة، إنها تأتى بوردة صفراء ولكنها لا تأتى بالوردة نفسها، إن الحقيقة الجزئية الاستثنائية التي توجد في مصطلح (قانون الصدفة) باطلة كل البطلان، إذا ما أردنا تفسير الكون بها..

يقول البروفيسور ادوين كنكلين

” إن القول بأن الحياة وجدت نتيجة حادث اتفاقي شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار صدفي يقع في مطبعه “..

لو افترضنا أن المادة وجدت بنفسها في الكون وافترضنا أيضا أن تجمعها وتفاعلها كان من تلقاء نفسها، ففي تلك الحالة أيضا لن نظفر بتفسير الكون، فإن صدفة أخرى تحول دون طريقنا فلسوء حظنا أن الرياضيات التي تعطينا نكتة الصدفة الثمينة هي نفسها التي تنفى أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون الصدفة.

لقد استطاع العلم الكشف عن عمر الكون وضخامة حجمه، والعمر والحجم اللذان كشف عنهما العلم الحديث غير كافيين في أي حال من الأحوال، لتسويغ إيجاد هذا الكون عن قانون الصدفة الرياضي.

إن الهدف من إثارة مسألة بسيطة كهذه، ليس إلا أن نوضح كيف تتعقد الوقائع بنسبة كبيرة جدا في مقابل الصدفة.

ولنتأمل الآن في أمر هذا الكون فلو كان كل هذا بالصدفة والاتفاق، فكم من الزمان استغرق تكوينه بناء على قانون الصدفة الرياضي؟.

اما فيما يخص خلق الكائنات الحية، فلو تأملت جيدا الأدلة التالية ستكتشف بنفسك ان قانون الصدفة في الخلق اقل بكثير من انه نصفه بأنه كلام فارغ، إن الأجسام الحية تتركب من خلايا حية وهذه الخلية مركب صغير جدا ومعقد غاية التعقيد، وهى تدرس تحت علم خاص ومن الأجزاء التي تحتوى عليها هذه الخلايا هو البروتين وهو مركب كيماوي من خمسة عناصر هي الكربون والهيدروجين والنتروجين والأوكسجين والكبريت، ويشمل الجزيء البروتيني الواحد أربعين ألفا من ذرات هذه العناصر.

وفي الكون أكثر من مائة عنصر كيماوي كلها منتشرة في أرجائه، فأية نسبة في تركيب هذه العناصر يمكن أن تكون في صالح قانون الصدفة؟ أيمكن أن تتركب خمسة عناصر من هذا العدد الكبير لإيجاد (الجزيء البروتيني) بصدفة واتفاق محض؟.

لقد حاول رياضي سويسري شهير هو الأستاذ (تشارلز يوجين جواي) أن يستخرج هذه المدة عن طريق الرياضة، فانتهى في أبحاثه إلى أن (الإمكان المحض) في وقوع الحادث الاتفاقي الذي من شأنه أن يؤدى إلى خلق كون – إذا ما توفرت المادة- هو واحد على 60/10 (أي 10×10 مائة وستين مرة)، وبعبارة أخرى نضيف مائة وستين صفرا إلى جانب عشرة وهو عدد هائل وصفه في اللغة، وقد توصل تشارلز يوجين الى هذا العدد بنفس الطريقة التي استخدمها روجرز بنيروز فى الوصول الى عدد بنيروز والذى شرحته سالفا.

وفيما يخص وجود الحياة بالصدفة على الارض نجد أن إمكان حدوث الجزيء البروتيني عن صدفة يتطلب مادة يزيد مقدارها بليون مرة عن المادة الموجودة الآن في سائر الكون، حتى يمكن تحريكها وضخها، وأما المدة التي يمكن ظهور نتيجة ناجحة لهذه العملية فهي أكثر من 243/10 سنة (اي 243 صفر الى جانب عشرة).

 ان جزئ البروتين يتكون من سلاسل طويلة من الاحماض الامينية، واخطر ما فى هذه العملية هى الطريقة التي تختلط بها هذه السلاسل مع بعضها البعض، فإنها لو اجتمعت فى صورة غير صحيحة تكون سما قاتل، بدل ان تصبح مادة موجدة للحياة.

 هذا الجزيء البروتيني ذو وجود (كيماوي) لا يتمتع بالحياة إلا عندما يصبح جزءا من الخلية، فهنا تبدأ الحياة ، وهذا الواقع يطرح أهم سؤال وهو من أين تأتى الحرارة عندما يندمج الجزيء بالخلية؟ ولا جواب عن هذا السؤال في اي من أسفار الملحدين.

إن من الواضح أن التفسير الذي يزعمه هؤلاء الملحدون، متسترين وراء قانون الصدفة لا ينطبق على الخلية نفسها وإنما على جزء صغير منها هو الجزيء البروتيني وهو ذرة لا يمكن مشاهدتها بأقوى منظار، وفي جسد كل فرد منا ما يزيد على أكثر من مئات البلايين من هذه الخلايا.

 يوجد بحثا وافيا حول هذا الموضوع أعده العالم الفرنسي “الكونت دي نواي” وخلاصة هذا البحث أن مقادير (الوقت، وكمية المادة ،والفضاء اللانهائي) التي يتطلبها تكون جزئ بروتيني واندماجه بخلية وتكوين خلية حية هي أكثر بكثير من المادة والفضاء الموجودين الآن، وأكثر من الوقت الذي استغرقه نمو الحياة على ظهر الأرض وهو يرى أن حجم هذه المقادير الذي سنحتاج إليها في عمليتنا لا يمكن تخيله أو تخطيطه في حدود العقل الذي يتمتع به الإنسان المعاصر، فلأجل وقوع حادث علي وجه الصدفة من النوع الذي ندعيه، سوف نحتاج كونا يسير الضوء في دائرته82/10 سنة ضوئية

(أي:82 صفرا إلى جانب عشرة سنين ضوئية) وهذا الحجم أكبر بكثير جدا من حجم الضوء الموجود فعلا في كوننا الحالي؛ فإن ضوء أبعد مجموعة للنجوم في الكون يصل إلينا في بضعة ملايين من السنين الضوئية فقط، وبناء على هذا، فإن فكرة أينشتين عن اتساع هذا الكون لا تكفى أبدا لهذه العملية المفترضة.

أما فيما يتعلق بهذه العملية المفترضة نفسها، فإننا سوف نحرك المادة المفترضة في الكون المفترض، بسرعة خمسمائة تريليون حركة في الثانية الواحدة ، لمدة 243/10 بليون سنة ( أي 243 صفرا أمام عشرة بلايين) ، حتى يتسنى لنا حدوث إمكان في إيجاد جزيء بروتيني يمنح الحياة.

ويقول (دي نواي) في هذا الصدد:

لابد ألا ننسى أن الأرض لم توجد إلا منذ بليونين من السنين وأن الحياة في أي صورة من الصور لم توجد إلا قبل بليون سنة عندما بردت الأرض.

هذا وقد حاول العلماء معرفة عمر الكون نفسه، وأثبتت الدراسات في هذا الموضوع أن كوننا موجود منذ حوالى 14 بليون سنة، وهى مدة قصيرة جدا ولا تكفي على أي حال من الأحوال لخلق مكان، يوجد فيه الجزيء البروتيني، بناء على قانون الصدفة الرياضي.

كانت الارض في بدايتها شعلة من نار رهيبة، ولم يكن من الممكن ظهور الحياة على ظهرها حينئذ لشدة الحرارة ، وبعد مرور زمن طويل أخذت الأرض تبرد ثم تجمدت وتماسكت، حتى ظهر إمكان بدء الحياة على سطحها.

ولنتأمل الآن، بعدما تبين لنا أن المادة العادية غير الحية تحتاج إلى بلايين البلايين من السنين ، حتى يتسنى مجرد إمكان لحدوث (جزيء بروتيني) فيها بالصدفة،  فكيف إذن جاءت في هذه المدة القصيرة في شكل مليون من أنواع الحيوانات، وأكثر من مائتي الف نوع من النبات؟ وكيف انتشرت هذه الكمية الهائلة على سطح الأرض في كل مكان؟ ثم كيف جاء من خلال هذه الأنواع الحيوانية ذلك المخلوق الأعلى الذي نسميه (الإنسان)؟.

لقد شرحت مدى التعقيد في تركيب الخلية الحية كدليل مادي ملموس حتى يتبين للقارئ مدى سخافة فكرة الخلق بالصدفة وبطلانها ولست أشك في أنه يستحيل وجود الجزيء البروتيني والذرة عن الصدفة كما لا يمكن أن يكون عقلك هذا الذي يتأمل في أسرار الكون وخفاياه من ثمار الخلق الصدفي، مهما بالغنا في افتراضنا عن المدة الطويلة التي استغرقتها عملية المادة في الكون.




شكرا للتعليق على الموضوع