محمد عمارة يكتب: منظمة جبل الهيكل والعدوان على المسجد الأقصى
“اصعدوا إلى جبل الهيكل واهدموا المسجد الأقصى وكنيسة القيامة”، هكذا يدعو المتطرف الصهيوني جيرشون سلومون زعيم منظمة أمناء جبل الهيكل أتباعه لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث مكانه لتهيئة الظروف لقدوم مسيحهم المُخلِّص وفقًا لقناعاتهم الدينية.
لذا تتبنى تلك المنظمة أقصى أطروحات العنف ضد الفلسطينيين وضرورة الخلاص منهم تهجيرًا أو إبادة فوجودهم هو أمر من شأنه الحيلولة دون اكتمال هذا المشروع الخلاصي.
جدير بالذكر أن هناك أكثر من عشرين منظمة إرهابية صهيونية تستهدف تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.
وقد تأسست منظمة أمناء جبل الهيكل (Temple Mount Faithful) تلك المنظمة الدينية اليهودية المتطرفة بالقدس، وقد قام بتأسيسها جيرشون سلمون (Gershon Salomon) الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي.
كان سلمون عضوًا في رابطة الدفاع اليهودية وهي منظمة يهودية متطرفة أنشأها الإرهابي مئير كاهانا، وكانت قد تورطت في عدد من العمليات الإجرامية ضد الفلسطينيين، إذ تؤمن بالعنف باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافها.
وشعار الحركة والذي يظهر به يد تمسك بالتوراة، ويد أخرى تمسك بالسيف، ومكتوب تحته كلمة”كاخ”، أي أنه هكذا وبهذا الطريق وحده والذي يجمع بين التوراة والسيف، أي بالعنف المتأسس على قناعات دينية ستتحقق الآمال في إقامة دولة إسرائيل الكبرى، والتي تمتد لديهم من النيل إلى الفرات.
ويفصح برنامج الرابطة عن مجمل فكرها إذ يرتكز على ثلاثة محاور هي: الحدود الطبيعية لدولة إسرائيل هي من النيل إلى الفرات، ضرورة طرد العرب من كامل إسرائيل والتوسع في عمليات الاستيطان، القدس ملك خاص لليهود ويجب تدمير المُقدَّسات الإسلامية بها وعلى رأسها المسجد الأقصى.
ومن ثم يدعو كاهانا إلى ضرورة الترحيل الفوري للعرب من أرض إسرائيل لأنه ليس هناك إمكانية للتعايش السلمي بين الطرفين, فهم في نظره”قنبلة موقوتة” وسوف تنفجر في الدولة اليهودية في أية لحظة، كذلك فهو يؤكد على أن طرد العرب هو عمل مقدس وواجب ديني، فيقول:”إن فكرة إبعاد العرب من إسرائيل ليست مجرد نظره شخصية، وبالطبع ليست نظرة سياسية، بل نظرة يهودية تعتمد على تعاليم دين التوراة.. إن طرد كل عربي هو واجب ديني”.
ويقول أيضا:”بدلًا من أن نخشى ردود فعل الغرباء إذا فعلنا ذلك، يجب أن نرتعد خوفًا من غضب الله إذا لم نفعل ذلك ونطرد العرب”، وهي أفكار عنصرية موغلة في عنصريتها ولا تحتاج لشرح أو تعليق.
وبالعودة لسلمون مؤسس منظمة جبل الهيكل والمتشبِّع بهذه الأفكار المتطرفة، فقد تم اكتشاف مخزون هائل من الأسلحة والمتفجرات في حوزته والتي كان مزمعًا استخدامها ضد الفلسطينيين، فهو مدرب جيدًا على تلك العمليات الإجرامية، إذ كان في شبابه عضوًا في منظمة الإرجون الإرهابية التي كونتها العصابات الصهيونية وارتكبت المذابح والمجازر ضد الفلسطينيين قبيل تأسيس الكيان الصهيوني.
اقرأ للكاتب | محمد عمارة يكتب: داعش إسرائيل … تنظيم كاخ الإرهابي
وتتحدث المصادر عن علاقة أمناء جبل الهيكل بجماعات المسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة وأوروبا والتي تقدم الدعم المادي الهائل لأمناء جبل الهيكل من أجل هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث، فتلك الجماعات المسيحية لديها قناعات دينية بأن مسيحها المُخلِّص لن يأتي من دون مساعدة اليهود في هدم المسجد الأقصى ليتسنى بناء الهيكل مكانه.
في تلك الحالة سيعود المسيح لتندلع معركة كبرى بين قوى الخير وقوى الشر ينتصر فيها المسيح وأتباعه من المسيحيين باعتبارهم ممثلين لقوى الخير، ومن ثم يتم الإعلان عن بدء فردوس أرضي يستمر لألف عام.
في عام 1989م وفي أحد الاجتماعات مع أعضاء منظمة جبل الهيكل قال سلمون مفصحًا عن توجهاته الإرهابية:”واجبنا هو طرد الغرباء(يقصد الفلسطينيين) من القدس…. اصعدوا إلى جبل الهيكل واهدموا المسجد الأقصى وكنيسة القيامة… لا نرغب في سماع نداءات المؤذن أو طقوس لصلوات غير يهودية في أرض اليهود”، ثم طالب اليهود بالتضحية بالنفس والمال من أجل تحرير القدس وتطهيرها ممن يسكنوها فهم على حد قوله (قاذورات)، وفي ذات الاجتماع أقسم عدد كبير من الحضور على العمل بكل ما أوتوا من قوة من أجل هدم المسجد الأقصى.
ثم قرأ سلومون على الحضور رسالة قال إنها من بنيامين نتنياهو، جاء فيها:”نحن نؤيد دعوتكم لبناء الهيكل لكن في ظل الظروف الدولية من المفضل التريث في تنفيذ أهدافنا العظيمة لكي لا نثير العالم ضدنا”.
لقد أقسم أعضاء هذه المنظمة على تحرير جبل الهيكل وبناء الهيكل الثالث مكان قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وتضع الحركة ثلاثة شروط لمجيء المسيح المُخلِّص وهي:الأول: عودة يهود العالم إلى الأرض المُقدَّسة واستيطانها بشكل كامل، الثاني: قيام دولة إسرائيل، الثالث: إعادة بناء الهيكل بعد هدم المسجد الأقصى.
كما دعا أتباعها لإزالة كافة المُقدَّسات الإسلامية واقترحوا إعادة بنائها في مكة المكرمة، وتقوم المنظمة بما تسميه حملات توعية تقول أنها لتوعية شعب إسرائيل بحقيقة خطة الله لخلاص اليهود واشتراطات هذا الخلاص، وكذلك تُنظِّم المؤتمرات لدراسة قضايا التعامل مع جبل الهيكل وسبل بناء الهيكل الثالث، وعلى غرار الشعار الأمريكي (In God We Trust)(بالله نثق) تردد المنظمة شعار (In God of Israel We Trust)(برب إسرائيل نثق) ، ودائمًا ما يردد زعيمها جرشون سلومون أنه يرى نهاية العرب في أرض إسرائيل قريبة جدًا.
ولك أن تعلم أن منظمة أمناء جبل الهيكل كانت السبب المباشر في حدوث مجزرة الأقصى الأولى عام 1990م حينما اقتحموا المسجد الأقصى بقيادة زعيمهم جيرشون سلومون وحاولوا وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم هناك، فتصدى لهم الفلسطينيون وكانت المواجهات التي ارتكبت على إثرها القوات الصهيونية تلك المجزرة بحق الفلسطينيين والتي راح ضحيتها أكثر من عشرين شهيداً فلسطينياً وأصيب أكثر من مئتين أخرين.
وهناك تزايد ملحوظ في أعداد المنتمين لمنظمة جبل الهيكل وتزايد في تشددهم، والجدير بالذكر أن كل الحكومات الإسرائيلية كانت تمنعهم من دخول جبل الهيكل وقت التوتر خوفًا من تفاقم الأمور وخروجها عن السيطرة بإثارة حفيظة العرب.
والجدير بالذكر أن الحاخامية الرئيسية (السلطة الدينية الأعلى في إسرائيل) ترفض دخول أتباع الحركة منطقة المسجد الأقصى(جبل الهيكل )وذلك وفق اعتقاد ديني لديها بأنه يحرم على اليهود دخول هذا المكان قبل قدوم المسيح بحجة أن اليهود ليسوا بالطهارة الكافية لدخول هذا المكان المُقدَّس، غير أنه وكعادة العقلية الفقهية اليهودية تم إيجاد تبريرات دينية فيما بعد لهذا العمل المجرم.
وفي أغسطس من عام 2016م قامت حركة أمناء جبل الهيكل بالصوم والحداد إحياء لذكرى تدمير الهيكل الأول، وأقسمت الحركة بالقسم التالي:”باسم الله المُقدَّس سنواصل حملتنا تحت كل الظروف وبدون خوف حتى يتحرر جبل الهيكل من الاحتلال العربي والإسلامي له، ثم بناء الهيكل الثالث، لهذا الهدف الإلهي الكبير سنعمل ليل نهار حتى يتحقق ومهما كانت العقبات التي نواجهها من قبل أعداء إسرائيل، فمم نخاف إذا كان الله معنا.. نحن نصلي وندعو من أعماق قلوبنا لإزالة الأوثان الإسلامية في الأماكن المُقدَّسة ونعمل على إقناع الحكومة الإسرائيلية ببناء الهيكل الثالث… إن التطورات العالمية التي تحدث الآن هي دليل على اقتراب موعد الخلاص والذي لن يتأتى من دون إقامة الهيكل، في حين يسعى المسلمون لإقامة خلافة إسلامية جديدة تضم العالم كله رغم أنهم يعلمون أن عودة المُخلِّص اليهودي من شأنها إقرار السلام على الأرض”.
وحول قرار اليونسكو في أكتوبر 2016م باعتبار منطقة المسجد الأقصى من المُقدَّسات الإسلامية قالت الحركة منددة بهذا القرار:”قريبًا جدًا فإن كراهيتكم وقراركم الزائف ضد شعب إسرائيل سيُلقى في مزبلة التاريخ، فالخلاص الإلهي قد اقترب موعده”.
اقرأ للكاتب | محمد عمارة يكتب: الصهيونية المسيحية والمشروع الصهيوني
وفي ديسمبر 2017م أصدرت الحركة بيانًا قدمت فيه التحية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مؤكدة أنه مؤيد في هذا القرار من الله وشعب إسرائيل، كما طالبت الحكومة الإسرائيلية بالإسراع فيما أسمته تطهير مكان جبل الهيكل من الفلسطينيين وإزالة المُقدَّسات الإسلامية ومن ثم بناء الهيكل الثالث.
وفي التحليل الأخير، فتلك المنظمة وما تعلنه من أهداف، وما تقوم به من ممارسات تكشف جليًا عن الوجه القبيح للكيان الصهيوني، وحقيقة النمط الإدراكي المُسيطر على كثير من المتدينين داخله نحو العرب، باعتبارهم نفايات بشرية يجب التخلُّص منها بأسرع وقت إبادة أو تهجيرًا.
فوجودهم وفقًا لقناعات هؤلاء المتطرفين من شأنه أن يحول دون تحقق حلم الخلاص، ومن ثم منع إقامة مملكة الرب وفردوسه الأرضي الذي سيحيا فيه اليهود وحدهم بحسب زعمهم.
فأكثرهم يُجمع على ضرورة الذهاب في الاستيطان إلى حده الأقصى، وهدم المسجد الأقصى من أجل بناء الهيكل، غير أن الخلاف الوحيد بين المتشددين والأقل تشددًا داخل الكيان الصهيوني هو في الدرجة والكيفية، فإذا كانت منظمة أمناء جبل الهيكل تؤمن بالتغيير الجذري والسريع والحاسم، فإن باقي الصهاينة يؤمنون به لكن وفق إستراتيجية وخطة زمنية ممتدة لتحاشي إثارة الرأي العام العالمي ضد الكيان الصهيوني.
اقرأ للكاتب
محمد عمارة يكتب: الإعلام ونظرية المؤامرة