بلال الطبعوني يكتب : تبعات الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي ..!!

لم تستفق أوروبا لحد الآن من صدمة خروج بريطانيا من الإتحاد الاوروبي، بعد إستفتاء منح أغلبية طفيفة للخروج منه. ومع أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كان قد أجرى الإستفتاء متوقعا نتيجة عكسية تماما، تسكت المعارضين اليمينيين له في الداخل، وتثبت وجود بريطانيا أوروبيا، غير أن النتائج جاءت عكس التوقعات مسببة ارتباكا داخليا في بريطانيا من جهة، وعلى صعيد القارة العجوز برمتها من جهة أخرى، ما دفع كاميرون الى اعلان استقالته، مفسحا المجال كما قال لقيادة جديدة تتماشى مع تطلعات الإنفصال عن الاتحاد الاوروبي.

ولا شك ان نتيجة الاستفتاء البريطاني قد ألقت بظلال سلبية على بريطانيا واوروبا ككل، فعلى الرغم من عدم اندماح بريطانيا التام في الاتحاد الاوروبي سواء من جهة العملة الموحدة او اتفاقية شينغن او غيرها، غير ان وجود بريطانيا كقوة اقتصادية وسياسية ضخمة متجذرة في جميع مؤسسات الاتحاد، سيخلق نوعا من عدم التوازن داخله لفترة ليست بالقصيرة، ريثما يتم سد عجز غياب بريطانيا، اضف الى ذلك خوف الاتحاد الاوروبي من أن تحذو دول اخرى حذو بريطانيا، وهو ما ينذر بتفكك جزئي للاتحاد، وقضما بطيئا لمبادئه وسياساته.

داخليا، على الصعيد البريطاني المحلي، ألقت نتائج الاستفتاء بظلال كارثية على الجنيه الاسترليني، حيث هبط الى مستويات غير مسبوقة، ما هدد سوق التعاملات المالية البريطانية، والتجارة والبورصة البريطانية، كما ان خروج بريطانيا سيفقدها امتيازات مهمة، كعدم تواجدها في السوق الاوروبية المشتركة، وإنخفاض تصنيفها الإئتماني وغير ذلك من الامتيازات، اضف الى أن وضع بريطانيا الحالي قد يدفع بعض الدول الى الاستقلال عنها، خاصة وان هذه الدول ألمحت الى رغبتها في الاستمرار في الاتحاد الاوروبي، كأيرلندا واسكتلندا، كما ان هنالك اصوات خرجت تطالب باعلان استقلال لندن -التي صوت معظم سكانها لاستمرار الاندماح مع اوروبا- عن بريطانيا واستمرار تبعيتها للاتحاد الاوروبي، وكل ذلك يفاقم الخطر من تفكك بريطانيا نفسها.

كل هذا الخوف من هبوط الاسترليني وانهيار الاسواق المالية والمشاريع المشتركة، والغموض الذي يلف مستقبل اوروبا، يرافقه ايجابيات يراها مراقبون لخروج بريطانيا من الاتحاد، سواء على بريطانيا نفسها، او على الاتحاد الاوروبي ككل.

فتحرر بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، سيخلق لها حرية اكبر في التعاون والتعاقد مع فئات ومجموعات اخرى قد تتقاطع مصالحها معها، من غير حاجة للاتحاد، كواشنطن او موسكو، أو الدول العربية.

كما أنه على الصعيد الاوروبي، يرى مراقبون ان خروج بريطانيا من الاتحاد سيخلق حرية اكبر لدول الاتحاد في اقرار مشاريع وتحولات كانت بريطانيا من اشد المعرقلين لها، وستخف الموازنة الضخمة والمصاريف التي كانت بريطانيا سببا فيها، وكانت تساهم في جزء يسير منها، أضف الى ذلك ان حلم الاندماج العسكري والجيش الاوروبي الموحد سيعود للتداول بعدما كانت بريطانيا من المفشلين الدائمين لهذا المشروع، وايضا فإن غياب بريطانيا سيخلق الكثير من الوظائف الشاغرة ، والتي كان يشغلها بريطانيون في كافة مكاتب ومؤسسات الاتحاد، كما ان غياب بريطانيا سيزيد من دور فرنسا الريادي داخل الاتحاد، بعدما كانت بريطانيا تستحوذ على النفوذ الفرنسي.

توتر القارة الاوروبية بعد نتائج الاستفتاء البريطاني، والتحليلات العميقة التي خرجت عن الموضوع، والتأثيرات المحتملة لهذا القرار، لا شك انها ستترك أثرا بالغا سواء على الداخل البريطاني او على الاتحاد الأوروبي ككل، لكن لا احد يعلم بالضبط ما ستؤول اليه الامور، وهل سيكون خروج بريطانيا سلسا أم معقدا،  وكيف سيتعامل كافة الاطراف مع تبعات هذا الموضوع.

وحدها الايام المقبلة من شتكشف لنا عن مستقبل بريطانيا والاتحاد الاوروبي بعد الطلاق بينهما.

بلال الطبعوني – بيروت

شكرا للتعليق على الموضوع