سجن الفراشة ” قصة واقعيّة ” (1)

سألت نفسي قبل أن أبدأ الكتابة: لماذا عليَّ أن أكتب؟ ماذا أفعل بكلّ هذه الحرائق التي اشتعلت في حياتي ونصبت جحيمها فوق عظامي والتهمت براءتي جرحاً بعد آخر وقرفاً بعد قرف؟ أيّ رغبة تجتاحني الآن لأكفّ عن الصمت، وأقتلع القصص السوداء الدفينة وألطّخ بها هدوء الإنسانيّـة ولامبالاتها؟

ولكن ما الذي سيتغيّر؟ وهل معاناة الفرد قادرة على جلد الضمائر اليابسة؟

 وحده صوتي سيظلّ وحيداً، هائماً كشبح أعمى في أقبية خاوية، يبحث عن ضوء لم يعد موجوداً، وعن حضن قذفه من زمان لكنه ما زال عالقاً في أحلامي وكوابيسي!

شكراً لمنى التي علّمتني الكتابة.

 أعطتني بذلك الفرصة الوحيدة في حياتي للكلام.

خارج هذه الأوراق الدافئة ليس لديّ أصدقاء.

 ليس هناك إلا الفزع.

أنا اليوم طفلة خائفة بلغت الخامسة والعشرين من عمرها، تصارع في روحها شياطين البشريّة الأكثر هيجاناً.

لست إلا طفلة علقت في غرفة مرعبة، ونسيها الجميع في الداخل.

الجسد وحده يلائم صبية في الخامسة والعشرين، أما ما تبقى فلم يغادر الجحيم بعد، وهو ينادي الموت ليمدّ يده الحنونة ويزيل من الضلوع هذا الوهم الثـقيل الذي يدعى الحياة .

ومع هذا أنا أكافح. كتابتي أعتبرها كفاحاً من أجل الحقيقة.

 إذا طويت حياتي، أعطي للشرّ فرصة أكبر للضرب في مكان آخر.

أيها الشرّ، سيّد هذا العالم المخدوع، كم أنت عبثي في حدوثك! لطالما تساءلت آلاف المرّات، لماذا أنت بلا معنى إلى هذا الحدّ؟ لماذا كلّ مرّة أحاول أن أجد تفسيراً لك، أفشل وأجدّف؟

نجحت أيضاً معي، وجعلت من وجودي حطاماً مقهوراً. لديّ وسيلة واحدة أردّ بها عليك، وأشعر من خلالها أن حياتي لم تكن مجرد موطئ قدم لحذائك الغليظ ، وهي أن أكشف قدرتك على الإيذاء والتواري.

سأتعرّى في ساحة المدينة وأدع الناس يجسّون جروحي.

 طويلاً طمرتها في باطني وأنت سعيد ومغتبط ، لأنك نجحت في إقناع المحيطين بي بأن البشر ليسوا حقاً سيئين إلى هذا الحدّ. سأكشف عورات الجميع أيها المتلوّن اللعين حتى لتعجز كلّ أوراق التين في العالم عن ستر فظاعاتك.

عندها سيكون لحياتي معنى لن ينجح خبثك في إخفائه!

“حنان، ماذا تفعلين قرب الباب؟ تعالي إلى هنا”. نادتني أمي من الغرفة المجاورة. الباب الذي وقفت قربه لم يكن مغلقاً. ثمة امرأة في الداخل تتأوّه. لم ألمح وجهها جيداً، لكنها قطعاً ليست أمي.

الذكريات موشّحة بضباب الطفولة، لكنني اليوم أعرف أن ذاكرتي لم تمحُ الكثير من المشاهد والأحداث، كما يفترض بها أن تفعل.

أبي أيضاً في الداخل. ألمح ظهره العاري يتأرجح في حركة متواترة، والمرأة مختفية. لم يبقَ منها إلا أنينها الغريب.

– “حنان”. صرخت أمي من جديد وهي تقف قربي، ثم أغلقت باب الغرفة وجرّتني إلى غرفة أخرى.

– “لا تنظري إلى هذا المشهد مرّة أخرى. هيّا، حان وقت نومك الآن”.

– “من هذه المرأة التي تئن في السرير؟”.

– “لم تبلغي الرابعة بعد، لا يجدر بك أن تسألي أسئلة لا تعنيك”.

      – “لماذا ينام أبي فوقها؟ “.

– “هذا القذر العجوز، لم يعد يخجل من جلب عاهراته إلى البيت”. تمتمت لنفسها.  “أليس من الأفضل أن يظلّ مدفوناً في السجن!”.

– ” أين موسى؟ أنا لا أراه”.

– “لم يعد بعد، لقد تأخّر. أرجو أن تكون غلّته الليلة كافية ، وإلا سيدفنه أبوك حيّاً “.

تخصّص موسى في بيع العلكة.

يكبرني بسبع سنوات، لكنها كانت كافية لدفعه إلى الطرقات في مهنة تشبه التسوّل.

 مشهد واحد يربطني بموسى الطفل، وهو صورته معلقاً من قدميه في حديد النافذة، ورأسه يتدلى إلى الأسفل، فيما يقف أبي قربه يجلده بحزامه الجلدي، أو بالرأس الحديدي للحزام الذي يجعل الدم مرّات يسيل من الخدوش والكدمات.

لم أفهم يوماً لماذا كان على أبي أن يربطه بهذا الشكل، متدلياً رأساً على عقب، قبل أن يجلده بعنف وفحيح مخيفين.

 أذكر جيداً صراخ موسى. لم يخفت يوماً في أثناء الضرب. صراخ فاجر، مقهور، وعميق. لم يكن مجرد صراخ ألم جسدي. أضرم فيه موسى حقداً متفجّراً، جعل وجهه يتحوّل، وهو في الأسفل، إلى كتلة شرّ هائلة كانت تمسّني برعب لا يوصف، كأنني على أبواب الجحيم أشاهد صراع الشياطين في ذروة غليانها.

بيتنا العتيق في طرابلس، لا تربطني به إلا خيوط المآسي التي كانت تحرّك مصيري كلعبة في مسرح قدريّ للدمى المخلّعة.

لن أبالغ في الحطّ من قدره، لكنه بحقّ كان أشبه بزريبة للخنازير.

لم أعِ مدى قذارته وخوائه إلا عندما عشت فيه مجدداً في عمر المراهقة.

الأواني المطبخيّة النادرة التي كنا نملكها مصبوغة بسواد مزمن يتلاءم جيداً مع الإهمال والفوضى اللذين كانا في أساس حياتنا. الكنبات الممزقة تستعمل للجلوس والنوم واللهو فوقها.

 الأرض الإسمنتيّة عارية في الصيف كما في الشتاء. لم أعرف فيه يوماً معنى لعب الأطفال، وجهاز التلفزيون، والأدوات الكهربائيّة الحديثة.

 ومع هذا لم تكن حالة الفقر هذه هي المشكلة، بل الأجواء الشاذة والمسمومة التي كانت تعصف فيه، وخصوصاً عندما يحلّ أبي كعاصفة وحشيّة تقتلع بعض الطمأنينة التي تسود في غياباته المتكرّرة.

لماذا تزوّجت “هدى اسماعيل” من “مصطفى عبدالله” وهو الذي يكبرها بأكثر من ثلاثين سنة؟

هذا السؤال، لم أجد له جواباً واضحاً حتى اليوم. كانت أمي الزوجة الثالثة لهذا الوحش الستيني، الذي تقمّص زمرة من أرواح الشرّ، إلى درجة أنني لا أكاد أذكر عنه حدثاً واحداً يدلّ على أنه ينتمي إلى فصيلة البشر.

 زوجته الأولى توفيت صبية وتركت له ولدين، “طارق” و”زهرة”.

تزوّج ثانية وأنجب خمسة أولاد، “ياسمين”، و”هيام”، و”محمود”، و”بكري”، و”نادية”، ثم طلّق امرأته التي لا أعرف عنها شيئاً.

وتزوّج ثالثة من أمي وهو في الخامسة والخمسين، وهي لم تكن تجاوزت بعد الخامسة والعشرين، وأنجب منها ستة تعساء هم “موسى” شقيقي الأكبر، و”يوسف” شقيقي الأصغر، و”ابتسام” شقيقتي الكبرى، و”رانيا” و”الهام” وأنا.

سجن مصطفى مرّات متكرّرة. حياته كانت خليطاً مـن العنـف

والديون والميسر والجنح والكحول ومعاشرة العاهرات.

لا أنسى أبداً مشهد المرأة الغريبة داخل بيتنا، وهي ممددة على الأرض وسكين حادّ في خاصرتها.

من هي هذه المرأة؟ لماذا طعنها في جسدها؟ هل ماتت في تلك الحادثة أم لا؟ لا أعرف.

 بالكاد كنت في الرابعة من عمري. لكنني أذكر جيداً أن أبي اختفى بعد تلك الطعنة لأشهر عدة، وأعلمتني أمي بعد فترة أنه لجأ إلى ابنته من زوجته الأولى التي تقطن في سوريا.

قبض العنف بشراسة على تفاصيل حياتنا اليوميّة.

 لم يبق في قلبي وقتها إلا الخوف. أُمسك بأختي الصغيرة رانيا وأحاول تهدئة نحيبها وهي ترتجف بجسدها الضئيل، عاجزة عن فهم انفجار الصراخ والقسوة أمام عينيها.

 وأنا، من يمسك بي ويهدّئ جزعي وبكائي؟

 جسدان هشّان ينتفضان على وقع البكاء، والكبرى تقطع شهيقها للحظات لتهمس في أذن شقيقتها الهزيلة: “لا تخافي”.

موسى كان دائم الغياب. استهلكته الطرقات وأزقة طرابلس العتيقة.

منظره الرث لا يوازي بشاعة روحه التي راحت تنمو وتزهر يوماً بعد آخر.

 نجح أبي في تحويله إلى ثور هائج لا ينطق إلا بالبذاءة والتفاهات.

لم أجد الأمر غريباً وقتها. كانت شخصيته تلائم جيداً القعر النتن لحياة مصطفى عبدالله وقبيلته. مرّةً واحدة شعرت بالعطف عليه، حين تلقى رصاصة في قدمه أطلقها رجل سكران داخل بيتنا كان أبي يدين له بمبلغ من المال. الرصاصة جعلت الرجلين يتصالحان، ويجتمعان حول كأس من العرق قرب قدم موسى الموضوعة في الجص.

أمي كانت تعمل خادمة في البيوت وتعيل أطفالها وزوجها الذي يغير على أموالها عندما تفرغ جيوبه على طاولات القمار. لا يهمل مرّةً أن يضربها بشراسة قبل أن تعطيه كلّ ما تملك. كان يتّهمها دائماً بأنها تخفي الغلة عنه. يمسكها من شعرها ويطرق برأسها الحيطان، ثم يخلع حزامه ويسوطها به كحمار عنيد. هجم عليها مرّة وهو يحمل قطعة حديدية لا أعرف من أين جاء بها، وراح يضربها بها كمن يحاول تهديم حائط قديم.

مازال صوت وقع ضرب الحديد على جسدها يتردّد في أذنيَّ إلى اليوم. وفجأة سمعناها تجأر من أعماقها بصراخ ألم فظيع: “لقد قلعت عيني أيها الحيوان المسعور”. نظرنا إليها، فرأينا الدم يغطي وجهها ويفرّ من عينها اليمنى بغزارة. توقّف أبي مذهولاً عن الضرب. رمى الحديد من يده، وخلع باب المدخل في هروبه. إلتمّ الجيران على صراخ أمي، وحملوها إلى المستشفى، فعادت من هناك فاقدة  عينها  اليمنى. مرّت  أشهر عدّة قبل أن تتمكن من أن تضع في الجيب الفارغ في وجهها، عيناً زجاجيّة أعادت إليها بعضاً من شكلها الطبيعي.

تركتنا أمي بعد عودتها من المستشفى، وسكنت عند أختها “رندى”. لم تكن تلك المرّة الأولى التي تهجر فيها البيت والأطفال بعد شجار دامٍ مع والدي. بقينا أيامًا كالقطط الشريدة، نتمرّغ في أوساخنا وجوعنا. انتبه الجيران إلى يتمنا، فقدّموا إلينا الطعام مرّة بعد أخرى. عاد أبي أخيراً يلوّحه السكر، كأن دماغه فقد الاتصال بقدميه. انتابني الذعر لدى رؤيته. بدا الحنان عليه فجأة، وراح ينطق بعبارات لطيفة. اقترب مني وحملني ثم أجلسني في حضنه. ارتحت قليلاً لهذا الارتخاء غير المعهود.

– “أنا بحاجة إلى الاستحمام”، قال وهو يتأمّلني. “وأنتِ أيضاً رائحتك كريهة. هيّا، يجب أن تستحمي، سأخلع ثيابي وأنتظرك في الحمام” .

سبقني إلى الداخل، فلحقت به وأنا مرتدية ثيابي. لم تكن لديّ رغبة بهذه النظافة المفاجئة. كانت أمي هي التي تغسلني عادة بالمياه. دخلت إلى الحمام، فوجدت أبي عارياً وجسده مبلل، وهو يرشق نفسه بالماء بشكل قوي. إلتفت إليَّ وقال:

 – “وهل ستستحمين بثيابك أيتها الغبيّـة؟”.

ثم اقترب مني وخلع عني الثياب، وراح يسكب عليَّ الماء بغزارة. فجأة أمسك عضوه الجنسي ووضعه في يدي.

– “أترين كم هو جميل؟  قال.  هيّا، ألا تريدين أن تلعبي؟”.

شعرت فجأة أن قضيباً من النار يخترق رأسي ويسقط إلى أطراف أناملي. بدا كلّ شيء غريباً وشاذاً في تلك اللحظات. لم أعرف لماذا انتابني نفور حاد من ذلك العمل، فأفلتّ هذا “الشيء” من يدي، وركضت عارية إلى الخارج.

أتقزّز اليوم من هذه الحملة الإعلاميّة التي تُخرج إلـى العـراء

موضوع التحرّشات الجنسيّـة بالأطفال. يجب أن يدخل النور إلى الزوايا الإنسانيّة المعتمة، فطمر الدناءات لا يخفّف من فظاعتها. لكنني أجد نفسي كلّ مرّة أطالع هذه الأشياء، أمام حنان الطفلة التائهة في الغابة، كما في القصص الخرافيّـة، بحثاً عن وجه جدتها، فيما الذئب إلتهم هذا الوجه وارتدى قناعاً شديد الخبث يشبه من الخارج إلى حدّ بعيد، الحنان الذي تتوق إليه باحتراق ولهفة، كما لا تتوق إلى أيّ شيء آخر في الوجود.

حاول أبي مجدداً. مرّات كثيرة جرّني إلى الاستحمام معه، وتسلّلت يده إلى مواضع حميمة من جسدي، أو أنه حملني وألصقني بعضوه الساخن. في غالب المرّات كانت أمي هي التي تهجم على الحمام وتنتزعني من هناك وهي تطلق السباب في وجه من تسميه “الشيطان العجوز”. ردّة فعلها الشرسة تلاقت مع مخاوفي العميقة ونفوري من هذا العمل، الذي لا أفقه له معنى.

الحمام بالنسبة إليَّ اليوم موضع للزنى. كلّ صباح أعبر جحيم الشذوذ الذي كنت أخضع له. أتعرّى ببطء وتردّد يشبهان الخطوات الأخيرة التي تفصل المحكوم عليه بالإعدام عن مشنقته. ينتابني برد قارس يخضّ مفاصلي وعظامي. أفتح المياه على  جسدي، فتمسّني  بكهرباء  لاذعة، وتتحوّل  إلى  شبكة  عنكبوتيّة  من الأيادي اللامرئيّة التي تمسّد جسدي بقرف بالغ، فأتحرّك بعصبيّة ورفض لإبعادها عني. جميعهم ينحشرون معي في هذه المعاناة الجهنميّة. جميع الذين رأوا في جسـد فتاة فـي

الخامسة، قطعة لحم شهيّة. أيديهم كلّها هنا. تخرق الحيطان والسقف وبلاط الحمام، وتمتدّ ببرودة وسطوة إلى جسدي المرتجف. تميع وتتلوّى وتتحوّل إلى كفوف مائيّة تتراقص مع إنهمار المياه. فأعود بينها طفلة الرعب والوحدة، وأكاد أصرخ من جديد، وأهرب ملء حيرتي وصدمتي واشمئزازي، من ذئب إلى آخر، ومن أبٍ إلى آخر، كأن البشريّة بأسرها بردت أنيابها لتبتسم لي وهي تخطّط لإلتهامي.

بعد ذلك بسنة تقريباً، حصل ما هو أفظع من مداعبات الحمام. هجرتنا أمي مجدّداً، وأوصتنا جيداً قبل رحيلها:

– “لا تدعن أباكنّ يقترب منكنّ. حين يأوي إلى البيت تجنّبن ملامسته”.

عرفنا أن الأمر خطر، ولو لم نفهم بعمق كلّ أبعاده. اصطحبت أمي معها شقيقتي الصغرى إلهام، وبقيت أنا وشقيقتي الكبرى إبتسام وحيدتين في المنزل. كانت إبتسام تمضي حينها وقتاً قصيراً بيننا، هو فرصتها السنويّة. بلغتْ التاسعة من عمرها ولم أرها إلا لماماً. وأنا كنت بالكاد قد بلغت الخامسة.

غفونا معاً في إحدى الليالي فوق فراش واحد، وفي الغرفة الأخرى نام شقيقي من أبي محمود، الذي لجأ إلينا بعدما تشاجر مع زوجته. عاد أبي في وقت متأخر يترنح من السكر، فاستفاقت إبتسام على وقع دعساته، وتصنّعت النوم. توجّه مباشرة إلى فراشنا وتمدّد متثاقلاً قرب إبتسام. خافت أختي منه، ونفضت نفسها بسرعة خارج الفراش، وركضت تحتمي في زاوية الغرفة. دوّى في رأسها تحذير أمي، فربطته بحسّها بالتصاق أبي بها. لم يعرها هو اهتماماً، بل دار على نفسه واقترب ملتصقاً بي هذه المرّة. من زاويتها،  بدأت تصرخ بي لأستفيق، لكنني لم أفعل. جرّني النوم إلى أعماقه وأطلقني هناك خلف أحلامي الطفوليّة.

– “حنان، قومي، إستفيقي. حنان أبوك هنا، إنهضي”.

لم يجدِ صراخها نفعاً. زاد رعبها حين شاهدت أبي يلتفّ عليَّ، فأختفي تحت جسده الضخم. أثـقل الخوف لسانها، فكفّت عن الاستغاثة،  وتلاشت متقوقعة في عجزها. عرّاني أبي من ملابسي الداخليّة، وأدخل قضيبه فيَّ. إستفقت لحظتها وأنا أشعر بألم رهيب يخترقني من الأسفل، وينفجر في كلّ أنحاء جسدي. لم أكد أفتح عينيّ حتى سقطت فوقهما يدٌ قويّة لتحجب عنهما الرؤية، فلم أميّز الوجه الذي يعلوني. أطلقت صراخي بشكل متواصل لأن الوجع أضحى لا يطاق، فخرج السكين من جسدي تاركاً حوله بقع الدماء التي لطّخت ملابسي والفراش.

خفت من منظر الدماء وزاد رعبي حين لم أرَ في عتمة الغرفة سوى شبح قاتم يتوارى من الباب الرئيسي. شلّ الخوف إبتسام الصغيرة وهي تسمعني أتوجّع من غير أن تفهم ما الذي يجري، فلم تتمكّن من الاقتراب مني. أنا نفسي لم أفهم ماذا حدث. الوجع والدماء هما الانطباع الوحيد الذي عبّأ وعيي المصدوم.

الكاتب والاديب سمير فرحات
الكاتب والاديب سمير فرحات

تابعونا : الجزء الثانى

شكرا للتعليق على الموضوع