محمد خضر يكتب : قضية الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث ( 7 )

الرسالة السابعة (أسباب رفض بعض علماء الدين الإسلامي لنظرية التطور)

المعترضون على فرضية التطور الداروينية صنفان:

  الأول: من ينكر التطور كلية ويؤمن بمفهوم الخلق الخاص لكل نوع، وهؤلاء يسمون «الخلقيين».

الثاني: من يقرّ بحدوث التطور وبأن الأنواع الحيوانية تشترك في أصل واحد وتطورت عنه إلى أنواعها الموجودة، لكنه ينكر أن يكون حدوث ذلك راجعاً إلى العشوائية والصدفة، وهؤلاء يسمون ( مدرسة التطور الموجه ).

 ويزعم المعترضون لنظرية التطور وفرضية التطور الموجه ان هناك أدلة شرعية عديدة تدل دلالة ظاهرة قوية على أن الله خلق آدم – أبا البشر والإنسان – خلقاً خاصاً، وأن وجوده في الأرض لم يكن نتيجة تطور بيولوجي من أنواع حيوانية أخرى سابقة عليه، ومن أهم تلك النصوص الشرعية:

الدليل الأول: قوله تعالى مخاطباً إبليس: ” قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِين ” ص:75, وهناك  ايضا نصوص أخرى تدل على المعنى نفسه، ومنها حديث الشفاعة الطويل، وفيه أن الناس يأتون إلى آدم فيقولون له ” يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده “.

 فهذه النصوص تدل بوضوح على أن الله خلق آدم – أبا البشر والإنسان – خلقاً خاصاً؛ حيث إنه خلقه بيديه مباشرة، وميزه على غيره من المخلوقات بهذه الطريقة في الخلق، ولو لم يكن لخلق آدم بيد الله ميزة لما ذكره الله في سياق الإنكار على إبليس في بيان فضل آدم، ولما كان لذكر الناس له يوم القيامة أي معنى.

 ولكن بعد القراءة والبحث في ابحاث كبار علماء المسلمين المعاصرين نجد أن ليس المقصود بقوله سبحانه وتعالى ” خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ” انه خلقه بيديه مباشرة, لان اليد هنا معناه القدرة التي اوجدت كل المخلوقات, يقول الله سبحانه وتعالى ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُون” يس : 71، ويقول سبحانه وتعالى: ” وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون ” الذاريات: 47.

الدليل الثاني: ايمان المعترضين لنظرية التطور الموجه بتفسيرات  علماء السلف من خلال دلالات النصوص الشرعية الكثيرة، وأن لله تعالى يدين حقيقيّتين تليق بجلاله وكماله، وأثبتوا أنها ليست بمعنى القدرة والنعمة.

ويعتقدون ايضا ان لفظ اليدين الذي جاء في آية خلق الله لآدم يستحيل أن يكون المراد بها القدرة، وأن المراد القطعي به اليد الحقيقية، وذلك من أوجه عدة، منها: أن الله أضاف الخلق إلى اليد مباشرة وعداها بحرف الباء، وهذا التركيب في لغة العرب يدل على المباشرة باليد، ومنها: أن الله ذكرها في سياق إظهار فضل آدم على الخلق وتميزه عن غيره، ولو كان المراد باليد القدرة فإنه لا يكون لآدم أي تميز على غيره؛ لأن كل المخلوقات مخلوقة بقدرة الله.

الدليل الثالث: ان الله سبحانه و تعالى يقول ” إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون ” آل عمران:59، هذه الآية ظاهرة في الدلالة على أن الله تعالى خلق آدم خلقاً خاصاً من تراب، وأنه لم يكن نتيجة تطور من أنواع أخرى؛ وذلك أن هذه الآية جاءت في سياق الرد على النصارى ونقض قولهم في عيسى ابن مريم عليه السلام، ومن المعلوم أن النصارى ظنوا أن مجيء عيسى من غير أب دليل على أنه ابن الله، فبيّن الله لهم أن آدم جاء من غير أب ولا أم، ومع ذلك فهو ليس ابناً لله، فلأن يكون عيسى ابناً لله من باب أولى وأحرى.

وتفسير الآية بهذا المعنى هو المستقر عند المفسرين، اعتماداً منهم على السياق الذي جاءت فيه، وعلى الغرض الأساسي لها، وفي بيانها يقول الطاهر بن عاشور: «وهذا شروع في إبطال عقيدة النصارى من تألِيهِ عيسى، وردّ مطاعنهم في الإسلام، وهو أقطع دليل بطريق الإلزام؛ لأنهم قالوا بإلاهية عيسى من أجل أنه خلق بكلمةٍ من الله وليس له أب، فقالوا ان عيسى عليه السلام هو ابن الله فأراهم الله أنّ آدم أوْلَى بأن يُدّعَى له ذلك، فإذا لم يكن آدم إلهاً مع أنه خلق بدون أبوين فعيسى أولى بالخلوقية من آدم.

ومحل التمثيل كون كليهما خُلق من دون أب، ويزيد آدمُ بكونه من دون أم أيضاً، فلذلك احتيج إلى ذكر وجه الشبه بقوله سبحانه وتعالى ” خلقه من تراب ” ، أي خلقه دون أب ولا أم، بل بكلمة كن، مع بيان كونه أقوى في المشبه به على ما هو الغالب.

ولكن من رأيي ان هذا غير صحيح لان الآية القرآنية الكريمة تنص على أن عيسى كآدم خلق من تراب بكلمة كن، ونحن نعلم أن عيسى ولد من مريم العذراء، فإذا عيسى من تراب ونحن من تراب رغم وجود آباء لنا، فلم لا نفهم من القول بأن آدم من تراب أنه هو الآخر له آباء وأجداد بدئوا من التراب.

الدليل الرابع: النصوص التي أوضحت تشكل المادة التي خلق منها آدم، فالله تعالى ذكر في القرآن الكريم المادة التي خلق منها آدم بأوصاف متعددة مثل التراب والطين والحمأ المسنون والصلصال، وقد أوضح عدد من المفسرين أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف المراحل التي مرّ بها تشكل المادة التي خلق منها أبو آدم، وفي بيان دلالتها يقول محمد الأمين الشنقيطي: «اعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم، فبيّن أنه أولاً تراب، بقوله سبحانه وتعالى ” إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ” آل عمران:59، وقوله سبحانه وتعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ” الحج: ٥، وقوله سبحانه وتعالى ” هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ” غافر: 67، إلى غير ذلك من الآيات، ثم أشار إلى أن ذلك التراب بلَّ فصار طيناً يعلق بالأيدي في مواضع أخرى، كقوله سبحانه وتعالى ” إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ” الصافات: 11, وقوله سبحانه وتعالى ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ” المؤمنون: 12، وقوله سبحانه وتعالى ” وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ ” السجدة: ٧، إلى غير ذلك من الآيات، وبيّن أن ذلك الطين أسود وأنه متغير بقوله سبحانه وتعالى  ” حَمَأٍ مَسْنُونٍ “، وبيّن أيضاً أنه يبس حتى صار صلصالاً، أي تسمع له صلصلة من يبسه، بقوله سبحانه وتعالى  ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ ” الحجر: 26، وقوله سبحانه وتعالى ” خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ” الرحمن: 14.

 وفى اعتقاد المعترضين ان هذا التوضيح والتفصيل يدلان بجلاء على أن خلق الإنسان كان مختلفاً عن غيره من المخلوقات، وأنه مرّ بمراحل مختلفة كل الاختلاف عن المراحل التي يدّعيها له أتباع فرضية التطور الموجه.

  نجد ايضا ان بعض معارضو نظرية التطور يستشهدون بآيات خلق البشر من نفس واحدة وخلق زوجها منها وهنا استغرب تناقض هؤلاء مع انفسهم فهم يدعون ان كل البشر الحالي خلق من نفس واحدة هى نفس نوح عليه السلام مستشهدين بالآية القرآنية الكريمة:

يقول الله سبحانه وتعالى ” ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبين, ونجيناه واهله من الكرب العظيم, وجعلنا ذريتهم هم الباقين ” , الصافات: 75,76,77.

 بغض النظر عن اذا كان المقصود هنا بقاء ذرية نوح من بين ذرية قومه ام من بين ذرية كل البشر, فأيمانهم بأن نوح عليه السلام هو اب البشرية الحالية كافي لينطبق عليه وصف النفس الواحدة بعدما اهلكت ذرية باقي البشر في عصره وبما انهم قبلوا هذا المنطق مع نوح عليه السلام فما الذى يمنع حدوثه مع ادم عليه السلام او أي شخص اخر, فلا يوجد ما ينفى خلقنا من نفس واحدة وفناء ذرية باقي الانفس المتواجدة في عصره وبالتالي لا يوجد ما ينفى وجود بشر قبل النفس الواحدة.

 بالإضافة الى ما سبق نجد ان معارضو التطور يستشهدون بآيات خلق البشر من نفس واحدة وخلق زوج منها:

يقول الله سبحانه وتعالى: ” يا ايها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تتساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا”. سورة النساء 1.

  ويقول سبحانه وتعالى ” خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا اله الا هو فاني تصرفون”, سورة الزمر 6.

  ويقول سبحانه وتعالى ” هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دوا الله ربهما لئن اتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ” سورة الاعراف 189.

وانطلاقا من هذه الآيات اعتقد العديد بناءا على افكار ومعتقدات مسبقة لديهم ان هذا الزوج قد خلق من جسد النفس الواحدة الاولى او بالأحرى من ضلعها كما صورت لهم كتب التراث والاديان المحرفة.

ولكن الحقيقة ان وصف خلق الزوج من النفس الواحدة لا يعنى بتاتا انه خلقها من جسده ولكن يعنى انه خلقها من نفس فصيلته او نفس قومه, وذلك لأننا لو طبقنا نفس تفسيرهم ورؤيتهم للأشياء على الآيتين التاليتين لوجدنا اختلاف وتناقض كبير:

يقول الله سبحانه وتعالى ” فاطر السموات والارض جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذروكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ” سورة الشورى 11.

ويقول سبحانه وتعالى ” والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون ” سورة النحل 72.

من هاتين الآيتين الكريمتين نجد ان تفسيرهم هو عبارة عن حقيقة تخالف المنطق والعقل والعلم, حيث ستصير النساء مخلوقات من اجساد الرجال, القاعدة الاساسية تقول انه عند تفسير آية قرآنية وجب التأكد ان هذا التفسير لا يتناقض مع تفسير آيه قرانيه اخرى متشابهة معها, فلا يجب ان نطبقه على بعض الآيات لملائمة الاهواء, وبالتالي نعطى فرصة للكافرين بان يأخذوا بهذا التناقض حجة ضد القران الكريم.

 الآيتين الكريمتين تذكران لنا ان من ايات الله خلقه لأزواجنا من نفس فصيلتنا وشكلنا وليس من جسدنا وهو خطاب موجه لكل من الرجال والنساء على حد سواء مما يؤكد ان تعبير خلق زوج النفس الاولى منها يشير لخلقها من نفس فصيلتها وليس من الجسد.

يقول الله سبحانه وتعالى ” هو الذى بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ” سورة الجمعة 2.

   فقوله سبحانه وتعالى ” رسولا منهم ” يعنى رسولا من نفس قومهم وليس من اجسادهم, وبتطبيق ” مبدأ القياس “ نجد ان قوله سبحانه وتعالى ” وخلق منها زوجها ” يعنى خلقه من نفس الفصيلة او القوم وليس من الجسد او من ضلع ادم عليه السلام كما يعتقد البعض.

تابعونا : الرسالة الثامنة

شكرا للتعليق على الموضوع