عائشة سلطان تكتب : الكويت التي تملأ ذاكرتي

لم تستغرق الرحلة من دبي إلى الكويت أكثر من ساعة ونصف الساعة، هي نفسها المسافة التي أحتاج إليها للوصول إلى أبوظبي، مسافة قصيرة جداً ومريحة جداً لمسافر يعرف تماماً إرهاق المسافات وقلق الأسفار، المسألة الأهم أنني لا أقطع مسافة فيزيائية فقط، ولكنني واقعياً أتجاوز زمناً يفصلني ويقربني في الوقت نفسه من تلك الأيام البعيدة التي زرت فيها الكويت لآخر مرة!

إنه زمن كثير تراكم في منتصف الطريق بيني وبين بلاد حبيبة وقريبة جداً كقاب قوسين أو أدنى، الكويت هذا الاسم الذي حفظته منذ طفولتي كقوس قزح أو كعلبة ألوان وكتاب قراءة وحقيبة مدرسة، لا أدري لماذا لم أذهب إليها كل تلك السنوات؟ بالرغم من أنني كنت أشعر دائماً أنها على مرمى نظرة وعلى امتداد ذراع، وحينما يكون الحديث دائراً عنها، عن انتخاباتها وكتابها وزيارات الصديقات إليها، أنني لو مددت يدي لتمكنت من فتح أي باب فيها ولدخلته مطمئنة وكأنني أعرف كل أهل البيت.

لا سبب جوهري لعدم زيارتي للكويت طيلة هذه السنين، فبعض الأمور تحدث هكذا دونما سبب، برغم متابعتي اللصيقة لكل الشأن الكويتي، ورغم أصدقائي المثقفين والصحافيين الكويتيين، ورغم لقاءاتي بهم في كل المنتديات والمؤتمرات التي تعقد بدبي، ورغم المسلسلات الكويتية والأغاني والمطربين الكويتيين، ورغم الروائيين الكويتيين كسعود السنعوسي وإسماعيل فهد إسماعيل اللذين أحبهما واقرأ لهما دائماً، برغم كل ذلك وربما لكل ذلك أشعر كأنني أزور الكويت كل يوم حتى لو لم أحزم حقائبي واستقل الطائرة وأسافر.

في آخر زيارة إلى الكويت جئناها طلاباً لنطل على تجربتها الإدارية الرائدة في تلك السنوات، وها أنا اليوم أطأ أرضها، بعد أن نما عشب كثير في المسافة بين اليوم والأمس، لأطل على تجربتها الثقافية العميقة وهي تستعد لافتتاح واحد من أكبر المراكز الثقافية في المنطقة، وهو «مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي»، الذي سيمتد على مساحة تتجاوز الـ200 ألف متر مربع في قلب مدينة الكويت، مطلاً على ضفاف الخليج، ومتوغلاً في أعماق عالم الموسيقى والمسرح والفنون العالمية.

حين لاحت المدينة من السماء قبل أن تهبط بنا الطائرة، شعرت بأنني بعد قليل سألج عتبة بيت أعرفه جيداً، أعرف المدينة مذ كنت طفلة، ارتبط اسم الكويت في وجدانها بكل ما له علاقة بالمدارسة والكتب والمعرفة والعطاء، وهو عطاء يعرفه كل إماراتي وإماراتية، ممن درسوا في مدارس كانت ترعاها وتشرف عليها حكومة الكويت سنوات الستينيات، هذا العطاء الذي ظل علامة فارقة لها ولكل دول الخليج لاحقاً.

البيان – الامارات

اقرأ للكاتبة :

محاولة لإطفاء الحرائق!

شكرا للتعليق على الموضوع