عائشة سلطان تكتب: تُجار الكتب!
سيبقى صاحب المكتبة التي تقع في أحد شوارع مدينة برشلونة وابنه دانييل الذي فقد والدته مبكراً، فارتبط بوالده الذي كرس كل وقته لابنه وللكتب، في ذاكرتي لزمن طويل، على الرغم من أنني أنهيت رواية «ظل الريح» التي تحكي حكاية الكتب والروح التي تسكنها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أن حكايتهما تحوم حولي كروح حقيقية.
أعرف أن هذا الإحساس بالارتباط ببائع الكتب وابنه ومكتبتهما، مصدره روح الكتب التي تسكن أرجاء بيتي، ولأن هناك حباً مشتركاً بيننا للكتب، للبحث عنها، لإيصالها لطالبيها بكل الطرق.
ولتلك الروح الحالمة والإنسانية التي كانوا يتعاملون بها مع زبائن مكتبتهما، خاصة بعد أن انضم إليهما رجل تعثر به دانييل في أحد الشوارع كمتسكع سكير يعاني الكثير من الجروح والنوبات العصبية، بسبب ما تعرض له طوال حياته.
ليس سوى عاشق كتب، يمكنه قبول شخص مثله، واكتشاف موهبته في التعامل الإنساني اللبق، والحماسة للكتب كما اتضح لاحقاً!
عادة أجد أصحاب المكتبات أو الذين يتعاملون مع الكتب أشخاص ذوي مزاج إنساني عالٍ جداً، دعوا عنكم هؤلاء الذين يتعاطون مع الكتب كما لو أنها علب مشروبات غازية أو ساندويتشات «شاورما»، أي أنها بضاعة تدر مالاً في نهاية المطاف وكفى.
وأن القارئ ليس سوى محفظة نقود عليه أن يحلب كل المال الذي فيها قدر شطارته، هؤلاء ليسوا مكتبيين، إنهم تجار كتب جشعون، مملون وسمجون جداً، يمكنهم بدم بارد أن يبيعوك كتباً مزورة ومقرصنة، وبأسعار باهظة.
ولا مانع لديهم في أن يشرحوا لك الأسباب الاقتصادية التي تجعلهم يبيعونك هذا الكتاب بـ100 درهم، فتقتنع وتدعوا الله أن يكون في عونهم، مع أنهم في حقيقة الأمر باعوك كتاباً مزوراً لا تتعدى قيمته عشرة دراهم على أرصفة بعض المدن العربية!
هناك أخلاقيات، وكثير من القيم الإنسانية تعلمنا إياها الكتب، في الحقيقة لا تفعل الكتب غير ذلك طوال الوقت، مع ذلك فهناك من يتعامل مع الكتب على أنها بضاعة لا أكثر ولا أقل.
نعم، الكتب بضاعة أخلاقية عالية جداً تحتاج لحساسية مفرطة في التعامل معها ومع زبائنها القراء، هذا الإحساس الذي لازمني طوال قراءتي لرواية «ظل الريح» التي تدور أحداثها في مدينة برشلونة بدايات القرن العشرين، منطلقة من مكان سري تحت أرض المدينة يدعى مقبرة الكتب!
البيان – الامارات
اقرأ للكاتبة :
المرشحان هيلاري وترامب.. لا فرق!