تحليل-ضغوط على رئيس وزراء إيطاليا للبقاء في منصبه رغم هزيمة متوقعة باستفتاء

عندما التقى عدد محدود من القادة الأوروبيين بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في برلين هذا الشهر لوداعه أبلغ رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي الحاضرين أنه قد يفقد منصبه قبل خروج أوباما من البيت الابيض.

وفي حين أن باراك أوباما سيغادر البيت الأبيض في 20 يناير قال رينتسي، إنه سيستقيل إذا لم يفز في استفتاء يجري في الرابع من ديسمبر كانون الأول على إصلاحات دستورية ليفتح بذلك الطريق أمام تجدد الاستقرار السياسي في ثالث أكبر قوة اقتصادية في منطقة اليورو.

ونقل مصدر دبلوماسي حضر الاجتماع الذي عقد يوم 18 نوفمبر تشرين الثاني ولم يحظ بتغطية إعلامية واسعة عن رينتسي قوله، “لا رغبة لي للاستمرار إذا خسرت”.

وتتنبأ استطلاعات الرأي الآن بهزيمة رينتسي فيما سيصبح ثالث حركة تمرد كبيرة من جانب الناخبين على مؤسسات الحكم هذا العام في الدول الغربية في أعقاب نتيجة الاستفتاء غير المتوقعة على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسا في الولايات المتحدة.

وتتزايد الضغوط على رينتسي للتخلي عن تهديده بترك السلطة والموافقة على البقاء في منصبه للتعامل مع عواقب التصويت “بلا” بما قد ينطوي عليه ذلك من تفجر أزمة مصرفية كبيرة.

وكان أوباما نفسه قال في أكتوبر إن على رينتسي “البقاء لفترة مهما كانت النتائج” وقال عدد من رجال الأعمال وكبار المسؤولين الحكوميين اتصلت بهم رويترز إنهم يخشون الأسوأ إذا ترك رئيس الوزراء منصبه.

وقال وزير الصناعة كارلو كاليندا في مقابلة يوم الجمعة، “رأيي الشخصي أن رينتسي يجب أن يبقى. ما يتعين أخذه في الاعتبار … هو صالح هذا البلد”.

وقال ثلاثة من ساسة يسار الوسط على اتصال دائم برينتسي لرويترز، إنه سيلتزم بوعده ويستقيل مباشرة إذا ما انهزم في الاستفتاء خشية أن يلحق التقاعس عن أخذ هذه الخطوة ضررا بصورته السياسية لا سبيل لعلاجه.

*مندفع

وربما يناشد الرئيس الايطالي رينتسي (41 عاما) انطلاقا من إحساسه بالمسؤولية طلب تفويض جديد من البرلمان. وربما تتوقف استجابته على حجم هزيمته في الاستفتاء وقال أحد المستشارين إن رئيس الوزراء قد ينسحب من الحياة السياسية بالكامل إذا كانت الهزيمة ثقيلة يوم الأحد.

وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه عنه إنه “شاب ومندفع. إذا جاءت النتيجة فظيعة فقد يقرر الانسحاب”.

والمطروح في الاستفتاء إصلاحات دستورية لتدعيم مجلس النواب وتقليص سلطة مجلس الشيوخ. وستفقد أقاليم بعض صلاحياتها في عملية صنع القرار من أجل دعم الحكومة المركزية.

ويقول رينتسي إن هذا المشروع ضروري لإصلاح الحكم في ايطاليا بما يؤدي إلى تنفيذ إصلاحات ضرورية وإحياء الاقتصاد الخامل. وقد شهدت ايطاليا 63 حكومة منذ عام 1948. ويقول خصومه إن المشروع سيقلل الضوابط الديمقراطية.

وفي الأسبوع الأول من ديسمبر يتعين على بنك مونتي دي باشي دي سينا ثالث أكبر بنوك ايطاليا طلب زيادة رأسماله بمبلغ خمسة مليارات يورو (5.3 مليار دولار). وليس من المتوقع أن يهرع المستثمرون لتلبية الدعوة إذا ما ساد البلاد اضطراب سياسي وهو ما يعني أن الدولة ستضطر على الأرجح للتدخل بسرعة للحيلولة دون انهياره.

ورغم أن قيادات الأعمال يؤيدون إصلاحات رينتسي فقد لزموا الهدوء خلال حملة الدعاية للاستفتاء خشية أن يؤدي تدخلهم لنتيجة عكسية في عصر سادت فيه المشاعر المناهضة لمؤسسات الحكم.

لكنهم يشعرون بانزعاج متزايد من احتمال عودة ايطاليا التي ترزح تحت ديون ثقيلة إلى حالة من الشلل السياسي.

وقال فيروتشيو فيراجامو رئيس مجلس إدارة شركة الأزياء سالفاتوري فيراجامو لرويترز، “أخشي أن يستسلم (رينتسي) إذا خسر الاستفتاء… ستكون تلك خطوة للوراء فعلا”.

*حل مؤقت

ويمنع القانون نشر استطلاعات الرأي في الاسبوعين الأخيرين من حملة الدعاية غير أن آخر 40 استطلاعا قبل الموعد النهائي في 18 نوفمبر أظهرت تقدم معسكر الرافضين للإصلاحات بفارق 11 نقطة مئوية.

وقال مصدر في الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه رينتسي يوم الجمعة، إن استطلاعات خاصة أظهرت تقلص الفارق إلى خمس نقاط وإن ربع الناخبين لم يحسموا رأيهم أي أن الفوز مازال ممكنا.

وفي البداية أيد 70 في المئة من الايطاليين الخطة لكن عندما قال رينتسي بثقة زائدة في نهاية 2015 إنه سيستقيل إذا انهزم حولت أحزاب المعارضة الاستفتاء إلى اقتراع على فترة العامين ونصف العام التي قضاها في السلطة.

وسجل رينتسي متفاوت. فرغم الإصلاحات الكثيرة ستسجل ايطاليا ثالث أدنى معدل للنمو في الاتحاد الأوروبي في 2016 وثاني أدنى معدل في العام المقبل وفقا لتوقعات الاتحاد. ومازالت البطالة أعلى من 11 في المئة كما أن الأجور راكدة.

وإذا تحققت الهزيمة فإنها ستمثل دليلًا جديدًا على استياء الناخبين في أوروبا وذلك قبل الانتخابات التي تشهدها فرنسا وألمانيا العام المقبل.

كذلك فربما يفيد خروج رينتسي الممثل الكوميدي الشعبوي السابق بيبي جريلو الذي يريد التخلي عن العملة الأوروبية الموحدة والذي حصلت حركة “خمسة نجوم” التي يتزعمها على أكثر من ربع الأصوات في الانتخابات العامة بإيطاليا عام 2013.

وليس من الواضح ما هي الخطوة التالية إذا استقال رينتسي من منصبه. والرد المباشر هو إجراء انتخابات عامة قبل عام من موعدها.

لكن رينتسي كان واثقا من الفوز في الاستفتاء لدرجة أنه استحدث قانونا انتخابيا جديدا في 2015 لمجلس النواب وحده معتقدا أن مجلس الشيوخ لن يؤدي الدور نفسه الذي كان يؤديه من قبل. ولتجنب استخدام نظامين مختلفين في الانتخابات للمجلسين سيتعين على البرلمان صياغة قانون انتخابي جديد وهو ما قد يستغرق جانبا كبيرا من عام 2017.

وربما يطلب الرئيس سيرجيو ماتاريلا من رينتسي الإشراف على هذا الإصلاح كرئيس لحكومة مؤقتة مكلفة بهدف محدد لكن حلفاء رئيس الوزراء يقولون إنه لن يوافق قط على مثل هذا التفويض المحدود.

وقال مسؤولون حكوميون اتصلت بهم رويترز، إن وزير الاقتصاد بيير كارلو بادوان أو رئيس مجلس الشيوخ بيترو جراسو هما أرجح مرشحين لقيادة الحكومة.

وسيعتبر بادوان المسؤول السابق بصندوق النقد الدولي شخصية مقبولة لدى الأسواق في فترة يرجح أن تتسم بالاضطراب.

لكن مثل هذه الحكومة لا يمكن أن تتولى السلطة دون مباركة رينتسي لأنها ستحتاج تأييد حزبه من أجل البقاء. ويخشى حلفاء رينتسي تحميله مسؤولية تصرفات الحكومة حتى وهو ليس رئيسها.

رويترز

شكرا للتعليق على الموضوع